تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أولاً: أن الجملة بغير هذا الشكل لا تستقيم لا معنىً ولا مبنىً كما سبق بيانه.

ثانياً: لمَّا تعرَّض مترجمو النسخة السبعونية لهذه الفِقرة كانوا يدركون أن «محمد» اسم علم، فكأنهم حاروا ما يفعلون، فلجؤوا إلى تغيير الاسم إلى «مَحْمَس» (مدينة «مخماش»). ولعل قائلاً يقول: ألا يمكن أن يُعتذر لهم باحتمال أن حرف الدال لم يكن بيِّناً في الأصل العبري فأشكل على المترجمين؟ أقول:

أولاً: إن حرفي السين (سامخ) والدال (دالِت) في العبرانية لا يتشابهان ألبتة والخلط بينهما بعيد؛ فالأول يشبه في شكله الرقم (5) والآخر يشبه الرقم (6).

وثانياً: لو افترضنا ذلك جدلاً فإن مدينة «مخماش» التي يريدها المترجمون هنا لا تكتب في العبرية «محمس»، وإنما «مكمش» بكاف وشين، فالتحريف لم يقع في حرفٍ واحد فحسب، بل في حرفين اثنين.

وقد يعترض معترض فيقول: لِمَ بَدَّلتَ «مَحْمَد» فجعلتها «مُحَمَّد»؟ والجواب: أن النص العبري ظل أكثر من ألف عام مجرداً عن الحركات إلى أن أضافها «المَسُوريُّون» من علماء اليهود بين القرن السادس والتاسع بعد الميلاد وَفْقَ اجتهادهم فأصابوا بعضاً وأخطؤوا بعضاً. فالكلمة قبل تحريف المسوريين كانت «محمد» دون حركات، ولم تكن «مَحْمَد»، وهذا مما يُجمع عليه علماء العهد القديم. فلم يبقَ إلا الإذعان بأن «محمد» عَلَم على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

والمراد من الفِقْرة أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - سيتولى تأديبهم في أموالهم، وحصل ذلك عندما أجلى بني النَّضير إلى أذرعات من أعالي الشام وإلى خيبر حتى إن أحدهم كان ينزع باب داره وسقفها لئلا يخلِّفها وراءه، كما جاء في سورة الحشر: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] إلى قوله - تعالى -: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحشر: 6].

أما قوله: (قيموش ييراشم، حوح بأُهُليهم) فسأعتمد فيها ترجمة النسخ العربية: «القريص يرثهم، والعوسج في منازلهم» – تنزُّلاً لا قبولاً – حتى لا أطيل على القارئ.

ثم يعود الرب إلى تحذير بني إسرائيل من مغبة كفرهم وأن أيام المُساءلة قد أزفت فيقول: (باؤو يمي هبجوداه، باؤو يمي هشِّلُّوم) أي «أزفت أيام العقاب وحلت أيام الجزاء». واستعمال الزمن الماضي هنا دلالة على التحقق والوقوع لا محالة، كقوله - تعالى -: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1].

ثم بيَّن السبب في هذا التهديد والوعيد، فقال: (يِدعو يسرائيل إفيل هنَّفي، مِشُجَّع إيش هروح). وترجمتُها كما في ترجمة «فاندايك»: «سيَعرِف إسرائيل، النبي أحمق، إنسان الروح مجنون.» وهي كما ترى غاية في الركاكة والإبهام، والسبب في هذا أن جُلَّ الترجمات العربية والأجنبية اعتبرت الفعل العبري «يدعو» مشتقاً من «ي - د - ع» بمعنى «عَرَف»، والصحيح أنه مشتق من «د - ع - هـ» بمعنى «دعا». وهذا الفعل ثابت في العبرانية كما فصَّل ذلك «جيمس بار» في كتابه «فقه اللغة المقارن ونص العهد القديم» [3]. فالجملة (يِدعو يسرائيل إفيل هنَّفي، مِشُجَّع إيش هروح) تتألف من فعل متعدٍّ إلى مفعولين، وفاعلٍ، ومفعول به ثانٍ مقدَّم، ومفعول به أوَّل مؤخر، ثم مفعول به ثانٍ مقدَّم مضاف، ومفعول به أوَّل مؤخر. وعليه فالترجمة الحرفية للفقرة هي: «تدعُو إسرائيل النبيَّ أحمقَ، ورجلَ الروح مجنوناً»، والمراد بـ «إسرائيل» هنا بنو إسرائيل. قال - تعالى -: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 25 - 35].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير