[وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ 50 ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ 51 كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ 52 ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 53 كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ 54] (سورة الأنفال: 50 – 54)
هذا، وقد رأيت أن أجمع هنا بعض الآيات القرآنية الدالة على ثبوت عذاب القبر، ثم أقوم بتحليلها مبينا وجه دلالتها على عذاب القبر.
ولست أزعم أنني حصرت كل الآيات الدالة على ذلك، ففي الكتاب العزيز الكثير والكثير مما يثبت عذاب القبر، بما لا يبقي حجة لمنكريه اعتمادًا على زعم إغفال القرآن الكريم له.
كما أنني لست أزعم أن ما سأسوقه هنا من أدلة على عذاب القبر، مستوٍ في الدلالة، بل هو متفاوت ما بين صريح وأصرح وما دون ذلك.
ولعلنا بذلك نكون قد أدينا بعض حق القرآن علينا في الكشف عما حواه من أدلة على وقوع عذاب القبر.
والله تعالى أسأل أن يهدينا والجميع إلى سواء السبيل.
الدليل الأول - قال تعالى:
[وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ 93 وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ 94] (سورة الأنعام: 93، 94)
المعنى الإجمالي:
النص الكريم يخاطب كل من يصلح للخطاب، مبينًا لهم حال الظالمين عندما يغمرهم الموت بسكراته، والملائكة باسطو أيديهم إليهم بالعذاب والضرب، كما قال سبحانه في آية أخرى:
[وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ] (سورة الأنفال: 50)
وتقول –الملائكة- مُوَبخةً لهم ومؤكدة عجزهم: [أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ] من هذا العذاب، وخلصوها مما هي فيه، إن كانت لكم قدرة على ذلك.
فالأمر هنا للتوبيخ والتعجيز كما يقول الآلوسي ([2] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn2))
ثم تصرح الآية بعذاب القبر، فيما حكته من قول الملائكة للظالمين:
[الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ]
فالحديث لا زال للملائكة موجها للظالمين عندما يغمرهم الموت. وكلمة "اليوم" هنا مراد بها يوم الموت، كما يدل على ذلك السياق ([3] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn3)) وعلى هذا، فالعذاب الموصوف بالهون أي الهوان هنا، هو عذاب القبر.
ولما كان الهوان ملازما لهذا العذاب كل الملازمة، متمكنا منه كل التمكن، جاء التعبير عنه بالإضافة هكذا [عذاب الهون] وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة.
¥