تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عرضت الدكتورة أورسولا فصلاً استعرضت فيه السيرة الذاتية لأركون، وتبرز أهمية هذه السيرة من جهتين: أن أركون هو أحد مدراء المعهد الذي رعى الدراسة، وأن الباحثة أخذت من أركون مباشرة عبر حوارات ومراسلات كما ذكرت ذلك.

في هذه السيرة الهامة ( p.127) يذكر أركون بأنه من (البربر)، وأنه ولد في عام 1928م في قرية (تاوريرت ميمون) ونشأ في عائلة فقيرة، وكان والده يملك متجراً صغيراً في قرية اسمها (عين الأربعاء) شرق وهران، فاضطر ابنه محمد أن ينتقل مع أبيه، ويحكي أركون عن نفسه بأن هذه القرية التي انتقل إليها كانت قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين وأنه عاش فيها “صدمة ثقافية”، ولما انتقل إلى هناك درس في مدرسة “الآباء البيض” التبشيرية، والأهم من ذلك كله أن أركون شرح مشاعره تجاه تللك المدرسة حيث يرى أنه (عند المقارنة بين تلك الدروس المحفزة في مدرسة الآباء البيض مع الجامعة، فإن الجامعة تبدو كصحراء فكرية) [ p.128].

وقد لفت أركون انتباه المبشرين، وظهرت محطة أخرى من الرعاية الكنسية، وهي دور المستشرق/المبشّر لويس ماسينيون، فبعد محطة (الآباء البيض) جاءت محطة (المبشر ماسينيون)، وماسينيون ليس مستشرقاً علمانياً ككثير من المستشرقين، بل الحقيقة أن أكثر مشاهير المستشرقين علمانيين، لكن ماسينيون لم يكن كذلك أبداً، بل كان مجاهراً بكاثوليكيته والدعوة إليها وقيادة مؤسسات تبشيرية بكل وضوح، وكان من أهم الأفكار التي يروجها ماسينيون، واشتهر بذلك، هو إمكانية تأصيل المسيحية من داخل الإسلام ذاته، أي الاستدلال على عقائد المسيحية بالقرآن، ولذلك كان الراحل ادوارد سعيد، برغم أنه معجب بموسوعية ماسينيون، إلا أنه تحدث عن “تدينه العميق” ثم قال عنه:

(ماسينيون يؤمن بإمكان اختراق عالم الإسلام، لا من طريق الدراسة العلمية فحسب، بل بتكريس النفس لجميع أنشطة ذلك العالم، ولم يكن أقلها أهمية عالم المسيحية الشرقية داخل عالم الإسلام، وكان ماسينيون يشجع بحرارة إحدى جماعاتها الفرعية، وهي جمعية البدلية الخيرية الكاثوليكية) [الاستشراق، إدوارد سعيد، ص 411، ترجمة عناني].

ولما رأى ماسينيون الحلاج صوفياً تأملياً انتهت حياته بالصلب، استولى عليه نموذج الحلاج باعتباره شبيها بما يعتقده في المسيح، وهو أنه ضحى بنفسه للصلب، فكرس سنوات كثيرة لجمع المادة عنه، وأخرجها في كتاب موسوعي ترجم إلى اللغة العربية (شرح مراحل تأليف الكتاب ع. بدوي في موسوعته)، وكان ماسينيون يرى أن الحلاج هو أعظم إنسان في الإسلام، وأنه استطاع أن يتفوق على النبي محمد الذي لم يقبل الصلب، يشرح إدوارد سعيد دلالات هذه الفكرة لدى ماسينيون قائلاً:

(كان ماسينيون يرى أن الشخص المثالي هو الحلاج، الذي حاول تحرير ذاته بسعيه ووصوله آخر الأمر إلى الصلب، وإن محمداً رفض عمداً الفرصة التي أتيحت له بسد الفجوة التي تفصله عن الله، ومن ثم فإن إنجاز الحلاج يتمثل في تمكنه من تحقيق الوحدة الصوفية مع الإله) [الاستشراق، إدوارد سعيد، 413، ت عناني].

وأما المنصب السياسي الذي كان يعمل فيه ماسينيون فهو مستشار الادارة الفرنسية الاستعمارية للشؤون الاسلامية، ويبدأ الدور الذي لعبه ماسينيون في كون ماسينيون هو الذي تدخل شخصياً لكي ينتقل أركون إلى السوربون، ودرس هناك على ماسينيون وغيره، ولما أعلنت وفاة أركون كان من أطرف ما في الأمر أن الذي أعلن الوفاة لوسائل الإعلام هو الأب المسيحي كريستيان ديلورم، وهو الذي شرح حيثيات وصية أركون بأن يدفن في المغرب، وليس في الجزائر، ووصفته وسائل الإعلام بأن الأب ديلورم مقرّب من أركون، وكان مما قاله ديلورم (أن أركون درس في السوربون بتدخل من الدكتور ماسينيون)، وهذا كان ظاهراً في إعلانات وفاته في وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي.

ثم لما درس لدى ماسينيون في باريس ظهرت آثار أفكار ماسينيون على أركون، مثل مركزية مفهوم الديانات الابراهيمية، وانتقاص اللغة العربية، والكتابة عن الحركات السرية، فكل هذه المشاغل التي عمل عليها ماسينيون رددها أركون لاحقاً.

حسناً .. حين نضع هذا الاهتمام الذي كثفه ماسينيون تجاه أركون في كفة، حيث تدخل ليدرس أركون في السوربون، ونقارن في الكفة الأخرى الاضطهاد الذي كثفه ماسينيون ضد مالك بن نبي بسبب توجهاته الإسلامية، فإن الصورة ستكون أكثر وضوحاً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير