تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ماسبب كون أركون يدخل بنفسه على المسؤولين الفرنسيين الكبار يطالب بإقامة مؤسسات بحثية لمشروعاته كما يقول عن نفسه (طلبت لقاء “ميتران” في قصر الاليزيه لكي أشرح له ضرورة تأسيس معهد كبير للدراسات الإسلامية في فرنسا على غرار المعهد الكاثوليكي أو المعهد البروتستانتي) [صحيفة الراية القطرية، 21فبراير2010]

ما سر هذا النفوذ لأركون في المؤسسات الأكاديمية الفرنسية حتى أنه يملك الترشيحات للمفكرين العرب الذين ينسجمون مع توجهاته؟

يذكر بعض المراقبين أنه لما انتشر في المغرب علاقة أركون بالتمويلات الفرنسية نشط كثير من المرتزقة في الثناء على أركون ومحاولة الارتباط به، وقد نقل هذه الظاهرة المخزية المفكر الإسلامي المغاربي محمد بريش، فحين بدأ يلمع نجم أركون مطلع الثمانينات لفت ذلك نظر الدكتور بريش، فبدأ برصد كتاباته باللغة الفرنسية وحضر دروسه بل وذهب لبعض أقاربه وسألهم عنه، ثم أنجز دراسة بدأ بنشرها على شكل حلقات في مجلة الهدى، وعمر هذه الدراسة الآن أكثر من ربع قرن! يقول الدكتور بريش شارحاً ظروف بحثه:

(هذه الورقات حررت سنة 1985 ميلادية، كانت الغاية منها الوقوف في وجه تيار يريد أن يحد من بلورة شعب الدراسات الإسلامية حديثة النشأة في الجامعات بالمغرب، والملاحظ من فجاءة نمو نشاط أركون على أصعدة متعددة، ولمعان إعلامي مصاحب له، أن الأستاذ قد امتطى الفرس المسرج له من منبر السربون لإنجاز بعض المهام هي في الأساس فكرية، لكنها بفضل ما حشد لها من وسائل وترويج أضحت إيديولوجية، وازداد الأمر لدي إلحاحا لما علمت أن عددا من الأساتذة يرغبون في تسجيل أطروحة الدكتوراه بإشراف الأستاذ الفاضل لمجرد الحظوة بمباركة الجهات التي تدعمه) [د. بريش، حاشية على بحث: دراسة فكر الدكتور أركون]

مفكر وباحث مشهور بحجم جورج طرابيشي يتحدث عن أركون بصيغة توحي بالنفوذ السياسي لأركون، كما يقول طرابيشي: (قُيّض لي إثر هجرتي إلى فرنسا عام 1984 أن ألتقيت أركون شخصياً وأن أحظى بموافقته لتقديم أطروحة دكتوراه إلى السوربون تحت إشرافه) [الحياة 16سبتمبر 2010]

وتزداد هذه الملاحظات السابقة تعزيزاً إذا استحضرنا الفارق الجوهري بين تعامل (السياسي الفرنسي) مع أركون، وتعامل (المثقف الفرنسي) مع أركون، فالسياسي الفرنسي شديد الاهتمام بأركون ويضعه في مناصب ولجان حكومية كثيرة، بينما المثقفون الفرنسيون لا يعيرونه اهتماماً، كما نراهم -مثلاً- شديدي الحفاوة بإدوارد سعيد، وقد روى أركون مرارته الشديد من إهمال المثقفين الفرنسيين لدراساته، واعتبارهم أن دراسات أركون ليس فيها إضافة، بل هي تكرار لما يقوله الفرنسيون أنفسهم، يقول أركون عن المثقفين الفرنسيين:

(يقولون لي –بشكل انتقادي ومعاكس-: ما الذي تفعله أنت؟ أنت تردد بشكل ناقص الأفكار والمواقع والانتقادات نفسها التي كنا نحن الغربيين قد بلورناها تجاه تراثنا الديني منذ زمن طويل، أنت لم تأت بشئ جديد، كل ما تفعله شئ تافه، مللنا منه، عفا عليه الزمن) [قضايا في نقد العقل الديني، أركون، 23]

ويعبر أركون عن موقف المثقفين الفرنسيين وعدم احترامهم لبحوث أركون بصيغة أخرى فيقول:

(نلاحظ أن المثقفين الغربيين، أو قسماً كبيراً منهم، يحاولون جاهدين التقليل من أهمية مشروعي، بل واعتباره تحصيل حاصل) [قضايا في نقد العقل الديني، أركون، 31].

بل وعبّر أركون عن ازدراء المثقفين الفرنسيين له بطريقة تستدر الرحمة بصراحة، حيث يقول:

(عندما قدمت هذا المشروع لأول مرة عام 1984 م لم أكن قد وصلت إلى هذا المستوى من المرارة والخيبة فيما يخص العلاقة مع الباحثين الغربيين) [قضايا في نقد العقل الديني، أركون، 32].

حين نوازن بين عناية المؤسسة السياسية الفرنسية بأركون، في مقابل ازدراء المثقفين الفرنسيين لأركون واعتباره ليس لديه جديد ولا إضافة؛ فإن ذلك يطرح السؤال من جديد: هل أركون مفكر أم سياسي؟ هل هذا الحضور لأركون بسبب مؤهلات فكرية أم بسبب دور سياسي معين يقوم به؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير