ونحن أمة كثيرة بعددها راسخة في تاريخها وحقيقة قررت بقرار اختياري أن أتوقف عن الشعر ولسان حالي يقول
اليوم شعرٌ وغدا فكر،
فكنت أنسب هذه الهزيمة إلى خلل في عقولنا وأن هذا العقل الذي هزم العرب والمسلمين عقلٌ يمتاز بما جعله أهلا بهذا الانتصار، فكان حقيقة هذا هو السبب الأول في خروجي من الشعر إلى الفكر،
فاشتغلت بالدراسات المنطقية بالدرجة الأولى وتخصصت في هذا الباب وكانت يعني تكويني في هذا الإطار تكوين في المنطق الحديث ولما أنهيت اختصاصي رجعت إلى وطني وقمت بتدريس هذه المادة رغم أني ما كنت أجده من صعوبات في يعني تطبيق برنامجي في المنطق داخل الكلية وخصوصا
كان لأول مرة يدرّس المنطق الحديث
ويعرّب في الكلية وساهمت في ترسيخ تدريس المنطق داخل الجامعة المغربية وفي تعريبه وفي وضع مصطلحات كثيرة، كأني أقول كنت غاضبا على الشعر وكأني أتحمل نصيبا من هذه المسؤولية باعتباري أني لهوت نفسي بالشعر وتركت ما ينبغي أن أتكون فيه وما ينبغي أن أخدم به وطني أو أمتي وهو العقل وبناء العقلي للمعرفة وهذا يعني حقيقة السبب الأول، أما السبب الثاني
فكمفارقة سيرجعني إلى الشعر مرة أخرى،
السبب الثاني هو أني لما تم اختصاصي في المنطقيات والعقليات تبين لي حدود هذه المنطقيات
وأن هذا العقل الذي هزم المسلمين عقل محدود
وأن الأمة الإسلامية مؤهلة لعقل أوسع من هذا العقل الذي هزمنا ولكنها لم تقم بهذه المسؤولية،
فكان حقيقة آنذاك هذا يعني الشعور بأن للمنطقيات حدود وأن تكويني الفلسفي يحتم عليّ أن أطلب الحقيقة ولو من وراء الحدود وأن الفلسفة تقتضي سبر الأغوار .. أغوار الأمور فكل ذلك جعلني أطلب طريقا آخر لتبين ما وراء حدود المنطق، فكنت على يقين على أن لغة هذا المستوى لا يمكن أن تكون لغة العبارة،
لأن العبارة هي لغة العقل المحدود الذي ظهرت لي حدوده وقيوده، فلابد أن تكون لغة إشارة،
فلابد أن تكون هذه اللغةلغة إشارة وإشارة أصيلة ومجاز بليغ حتى يمكن أن ننفذ إلى ما وراء حدود العقل،
فكان هذا السبب الذي عاد بي ..
مالك التريكي:
إلى الشعر ..
طه عبد الرحمن:
إلى الشعر ولكن إلى شعر غير الشعر الأول
من جنس آخر،
الإنسان الأول كان يتكلم لغة الفطرة وكان يتكلم لغة الوجود وكان يتكلم لغة الروح،
فهذه اللغة حقيقة هي التي كنت أبحث عنها وطلبت الأسباب التي تمكنني منها وكان ذلك ترويضا روحيا كما كانت يعني تجربتي السابقة في المنطق ترويضا منطقيا،
فقمت بترويض روحي بعد الترويض المنطقي،
فحصلت من معاني هذه الحدود ومن وراء هذه الحدود معاني لم تكن تحصل لي لولا هذه التجربة الروحية الشعرية الأصيلة للإنسان الأول التي دخلت فيها بلغة الفطرة ولغة الوجود ولغة الروح،
فكان ثمار هذه التجربة
أن أولا أن وسعت أفاقي توسيعا كاملا وزادت في مداركي فضلا عن ذلك غيرت وحولت ولونت المعارف التي كنت قد اكتسبتها عن طريق العقل المحدود الذي كان سبب الهزيمة العربية والإسلامية ثم لم تكتفي هذه التجربة بأن توسع أفاقي المعرفية بل استطاعت أن توصلني إلى شيء وصلتني التجربة الأولى تجربة المنطق إلى جزء من هذه وهو أنه نقلتني من الشعور بالذات إلى الشعور بالآخر، فإذا كانت الهزيمة الأولى نقلتني من الشعور بالذات إلى الشعور بالآخر ولكن الآخر القومي يعني بالشعور بالانتماء إلى الأمة فإن تجربتي الثانية
نقلتني من الشعور بالذات إلى الشعور بالآخر ولكن الآخر الكوني بالانتماء إلى الوجود
ولذلك كانت حقيقة الأمر أن هذه التجربة
رفعت مستوى القيم الأخلاقية عندي إلى قيم جمالية
بحيث أصبحت أحصل على مستواها من الاستمتاع والاستلذاذ ما لم أحصله على مستوى القيم الأخلاقية بعد أن كنت مقيدا بالعقل المحدود، يعني أصبحت أجد في القيم الأخلاقية لذة جمالية كبيرة بل أكثر من هذا
رفعت إيماني من إيمان الكلفة والمشقة والثقل إلى إيمان التشريف لا إيمان التكليف،
إيمان التشريف بحيث أصبحت أرى الأشياء كأنها تحمل دلالة إيمانية جميعها،
حتى أن الصوت عندي الصوت أي طائر أو شجر أو نار بمثابة تسبيح
وكانت عندي كل حركة بمثابة سجود
وكان عندي كل سكون بمثابة خشوع،
فكأن الأشياء من حولي كلها تعبر عن إيمانها،
فكأني في عالم أشبه ببيت من بيوت الله في ملكوته.
!؟!
¥