تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكن مع عصر التنوير، ومع كتابات فرنسيس بيكون Francis Bacon (1561 - 1626) وتوماس هوبز Thomas Hobbes(1588 -1679) في إنجلترا، ومع ديكارت والموسوعيين في فرنسا، وكانط في ألمانيا، بدأ يتبلور مفهوم جديد للهيرمينوطيقا على يد كلادينيوس Chladénius (1710- 1759) الذي اهتم بالبحث عن وضع قواعد للتأويل، وكانت النتيجة أنه من الممكن الوصول إلى تفسير صحيح وكامل إذا اتبعنا قواعد سديدة. من هنا اعتبرت الهيرمينوطيقا فنا تقنيا ضروريا للدراسات التي تعتمد على تأويل النصوص.

ويمكن أن تتبع المسار الفلسفي للهيرمينوطيقا من خلال المحطات التالية:

أولا: الهيرمينوطيقا التقليدية

إن تعريف الهيرمينوطيقا باعتبارها "فن الفهم" [8] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn8) يعود إلى الألماني فريدريك شلايرماخر الذي حرر فن التأويل من كل عناصره العقائدية والعرضية التي لا تحصل عنده إلا على نمط ملحق في تطبيقاتها الإنجيلية على وجه الخصوص. وكان السؤال الذي انطلق منه شلايرماخر هو: "كيف يمكن فهم أي عبارة أو قول؟ "

يرى شلايرماخر أن عملية الفهم تتم عبر محددين هما:

- المحدد اللغوي، أو النحوي، أو القواعدي، بتناول النص انطلاقا من لغته الخاصة (لغة إقليمية، تركيب نحوي، شكل أدبي .. ) وتحديد دلالة الكلمات انطلاقا من الجمل التي تركبها ودلالة هذه الجمل على ضوء النص بكليته.

- المحدد النفسي، بالاعتماد على حياة المؤلف الفكرية والعامة والدوافع والحوافز الذي دفعته للتعبير والكتابة والبحث عما يمثله النص في حياة المؤلف وفي السياق التاريخي الذي ينتمي إليه، وهو يرمي بذلك إلى إعادة معايشة العمليات الذهنية للمؤلف.

ثانيا: الفهم بمقتضى الحياة

يعتبر ربط الهيرمينوطيقا بالعلوم الإنسانية أساسا مهمة فلهلم دلتاي DiltheyWilhelm الذي رأى في الهيرمينوطيقا أساس كل العلوم الإنسانية والاجتماعية، ونقطة البدء في هذا الأمر هي الخبرة العيانية التي ينبغي أن يتم فهمها في مقولات فكرية تاريخية لأن الخبرة نفسها تاريخية في عمقها. وهذه التاريخية هي التي حددت الأساس النظري للهيرمينوطيقا الحديثة.

عرف دلتاي الهيرمينوطيقا تعريفات، استقاها بول ريكور من مقاله الكبير تكوين التأويل، كلها تدور حول معاني الحياة والتجربة الإنسانية، يقول: "نطلق اسم التفسير أو التأويل على ذلك الفن من فهم التجليات الحيوية الثابتة بشكل دائم".

ويقول:"يدور الفهم حول تأويل الشهادات الإنسانية التي حافظت الكتابة عليها ... إننا نعطي اسم التفسير والتأويل لفن فهم التجليات المكتوبة للحياة" [9] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn9).

يميز دلتاي بين نوعين من التجربة:

1 - التجربة المعيشة التي استعملها في وصف علوم الفكر أو العلوم الإنسانية.

2 - التجربة العلمية التي تخص علوم الطبيعة، وهذه التجربة العلمية تتمتع بطابع العلمية الذي يجعل من التجربة المعاشة والتجربة الممارسة وجهين لنفس الحقيقة وبطابع الجدلية والتاريخية. فالتجربة في طابعها العلمي والإبستمولوجي تعني تكرار المعطيات والنتائج للوصول إلى تنظير عام ومتفق عليه. في طابعها التاريخي والجدلي هي تجربة لا تتكرر، تنفي كل ما سبقها بحيث لا يمكن معاينة ومعايشة التجارب السابقة بنفس المقاصد والدوافع وتختفي هي الأخرى بخصوصيتها وفرديته [10] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn10).

إن التجربة الإنسانية عنصر مشترك بين جميع البشر، وما الفهم إلا إسقاط التجربة الشخصية على تجربة المؤلف عبر عمله، وعملية الفهم تتم عبر التفاعل الحيوي بين أفق النص بما هو محصل التجربة الحياتية يعرضها المؤلف، وبين أفق القارئ الذي تمثله تجربته الخاصة المراكمة عبر حياته التي يستخدمها لفهم النص. وبانصهار هذين الأفقين ينتج الفهم. وعليه يمكن القول إن الفهم حسب دلتاي هو انصهار خبرتي أو أفقي النص والقارئ، وانصهار التجربتين من شأنه أن يعمل على تجديد معنى النص وتطويره.

ثالثا: هيرمينوطيقا الوقائعية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير