جاء تأسيس المنهج الفينومينولوجي، أو الظاهراتية، ردا على المذهب السيكولوجي، وذلك حتى تكون الفلسفة علما دقيقا. ويعتبر إدموند هوسرل تلميذ برنتانو [11] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn11) المؤسس الحقيقي للفينومينولوجيا، الذي انطلق من نقد الرياضيات من أجل الوصول إلى الحقائق الأساسية. وهكذا جعل العلوم نوعين [12] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn12):
- علوم الوقائع، وهي تعتمد على التجربة الحسية.
- وعلوم الماهية، أو علوم الصورة الجوهرية وهدفها الوصول إلى إدراك الماهيات.
إن هدف الظاهراتية هو القبض على حقيقة النص كما هي، ومن هنا يكون التأويل شيئا نكونه ويحدث لنا وليس شيئا نفعله. وهذا ما سيتبلور أكثر ويتطور مع كل من هيدجر وجادامير.
يعتبر هيدجر الفهم أساسا لكل تفسير، وهو متأصل ومصاحب لوجود المرء وقائم في كل فعل من أفعال التأويل. لقد ربط بين الهيرمينوطيقا والأنطولوجيا، وبين الهيرمينوطيقا والفينومينولوجيا. وبهذا يكون قد أسس الهيرمينوطيقا على واقعية العالم وتاريخية الفهم، لا على الذاتية. إن الهيرمينوطيقا عند هيدجر هي التعامل مع اللحظة التي ينبلج فيها المعنى.
رابعا: الهيرمينوطيقا وتاريخية الفهم
أما جادامير فنجد عنده التأويل امتدادا وتطويرا لما عرضه هيدجر، فيتخذ من تحليله مرتكزا وأساسا ونقطة انطلاق تحليله للوعي التاريخي، فيرى من المستحيل وجود فهم بلا فروض أو أحكام مسبقة. وهذا يعني التخلي عن تفسير عصر التنوير للعقل وأن يسترد التراث والسلطة مكانتهما اللتين كانا يحتلانها قبل عصر التنوير، لأن عصر التنوير لا يقبل بأي سلطة سوى سلطة العقل؛ "فالتغلب على جميع الأحكام المسبقة، وهو المطلب العام لعصر التنوير، سوف يتبين أنه هو نفسه حكم مسبق، والتخلص من هذا المطلب يمهد الطريق أمام فهم مناسب للتناهي الذي لا يهيمن على إنسانيتنا فقط، بل يهيمن على وعينا التاريخي أيضا " [13] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn13).
إن جادمير يجعل الأحكام المسبقة شروطا للفهم، وينادي باستعادة سلطة التراث، فالتراث عنده ليس شيئا يقف عائقا أمامنا، وإنما هو شيء نوجد فيه. بل إن هذا التراث له أفق يجادل أفق المرء.
إن القارئ الذي يجد نفسه أمام نص، أو تراث، له أفقه وأسئلته ومطالبه وإشكالاته، يسأل النص، لا في حروفه وكلماته المرسومة، وإنما في أفقه وأهدافه ومقاصده.
من هنا يرى جادمير أن أساس الهيرمينوطيقا هو التوتر القائم بين الحاضر والماضي. وعليه فإن الفهم عنده لا بد أن يجيب عما يقوله النص للحالة التي نعيشها، ويرفض ما ذهب إليه شلايرماخر من كون فهم النص يتم عبر الانسجام الروحي والنفسي مع المؤلف، أو إعادة معايشة العملية الذهنية للمؤلف. وهذا عين ما ترنو إليه التاريخية في المنظور الحداثي.
خامسا: هيرمينوطيقا الارتياب
والهيرمينوطيقا في نظر بول ريكور هي "نظرية عمليات الفهم في علاقتها مع تفسير النصوص" [14] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn14) بهدف تجاوز المسافة بين عصر النص وعصر القارئ، وتتلخص في نظامين:
- نزع الطابع الأسطوري، ويمثل هذا النظام رودولف بولتمان Rodolf Bultman الذي كان يعتقد أن مخاطبي العهد الجديد الأوائل كانت لهم رؤية كونية خاصة، وهي رؤية أسطورية. والمراد بالأسطورة هنا "التفسير ما قبل العلمي للنظام الكوني والأخروي، والذي صار غير معقول للإنسان المعاصر " [15] ( http://tafsir.net/vb/#_ftn15). وهذا يقتضي تجاوز الغيبيات والمعجزات.
- الزيف، ويمثله فرويد بنظرية المثل والأوهام، ونيتشه بجنيالوجيا الأخلاق، وماركس بنظرية الإيديولوجيات. فقد أراد هؤلاء الثلاثة من عظماء "الهدم" فضح الزيف من خلال شكهم في العقيدة والثقافة بغية العثور على المعنى الحقيقي للعقيدة.
¥