تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تشرئب أعناق العلماء عموما، ً والفقهاء والأصوليين خصوصاً, إلى السبل الكفيلة لجعل الفقه وأصوله يواكبون الحضارة والتطور, بعد أن توقف عطاؤها على إثر غلق باب الاجتهاد, وإن كانت يد الدهر لم تبخل بأفذاذ يخرقون الأسوار التي ضربت على الفقه وأصوله.

وهي كلها جهود مباركة, شكر الله لأصحابها سعيهم و بارك في اجتهادهم, إلا أن بعضا من بني جلدتنا يتطاول على الدعائم التي استعصت على الهدم من الخارج, فامتدت أيديهم لهدم حصوننا من الداخل في وقت ارتبط كل ما له أصالة بالإرهاب, وأصبح الكل ينشد أنشودة محاربة الإرهاب, وما كان من بعض الصادقين إلا أن صدقوا وسايروا بعضهم في ما اقترحوه من دعم لعلم أصول الفقه بمنهج تعدد القراءات أو الهرمينوطيقا, كما اقترح آخرون دعم علم أصول الفقه بعلم المصطلحي, قد سبق هذه الدعوات دعوة بإدماج علم المنطق في علم أصول الفقه, فاعترضها أهل زمانها وبَانَ علم المنطق من علم أصول الفقه, و يبقى السؤال ما موقفنا من الدعوات المعاصرة؟ أنسايرها لكون بعض أصحاب هذه الدعوات من الصادقين الذين لا نشك بتاتا في إخلاصهم لدينهم وغيرتهم الصادقة؟ أم نتحفظ من كل جديد, و نجمد على إرث الجهابذة السابقين فيرمينا الزمن على هامش الحياة؟ لذا وجب فحصها بإمعان و انتقاء ما ينفع الأمة و درء ما يجلب الضرر.

يقول محمد مجتهد شبستري: " الفلسفة الهرمينوطيقية غير منفصمة عن التراث أساسا. إنها فلسفة متناسجة بطبيعتها مع التراث والسنة، والذين لا تربطهم بالسنة وشائج روحية لا يعبؤون بالهرمنيوطيقا, لأن الهرمينوطيقا في الأصل نظرية للتفسير والتأويل.

إن انبثاق الهرمينوطيقا في اليهودية والمسيحية والإسلام جاء على ضوء السؤال: كيف يمكن التوافر على فهم أعمق وأصوب لتعاليم الأنبياء والأئمة المتأتية عن الرسالة الإلهية والمتجلية في الكتب المقدسة؟ فحوى هذه العملية أننا نتحرى الحقيقة المودعة في الكتب المقدسة وتعاليم الأنبياء باستخدام أداة الهرمينوطيقا الفلسفية, نريد أن نفهم تلك الحقيقة ونعيشها. والذين يرون أنفسهم في غنى عن الأسفار المقدسة والإرشادات النبوية, ويعتقدون أن الإنسان المعاصر قادر على صياغة نماذج يعيش في ظل هديها ناسيا الماضي, لا يفكرون أبدا في تفسير مضامين الكتب المقدسة وتأويلها. ونحت مناهج ونظريات لعملية التفسير هذه" (مقال لمحمد مجتهد شبستري في مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العدد 19، ص 31 - 32.)

إن حوزاتنا العلمية لن تكون قادرة على تبوء مكانتها بين الثقافات الإنسانية في عصر الحداثة, و التحرر من التضارب والتناشز والتخبط الذي يسودها, من دون مرتكزات في الهرمنيوطيقا الفلسفية, واتخاذ وجهة مكينة على صعيد الهرمنيوطيقا الدينية. إن رفع لواء الهرمنيوطيقا الفلسفية و الدعوة إلى تأسيس هرمينوطيقا دينية إسلامية هي عين الإخلاص لثقافة المسلمين و إسداء الخدمة لها (نفس المصدر، ص 35)

الهرمينوطيقا الفلسفية تعني بجلاء أنها أداة لتحصين التراث الديني وإثرائه. وليست حيلة لإقصائه. ويعلم من له أدنى معرفة بالدراسات الهرمينوطيقية الفلسفية والدينية في العصر الحديث أن استخدامها في علم اللاهوت والمعارف الدينية يقصد منه إحياء " الحقيقة الدينية " والإبقاء عليها دون نبذها أو تغييبها (- نفس المصدر السابق، ص32.)

ويقول حسن حنفي: " إن الهرمينوطيقا تعني علم التأويل والتفسير دون وضع فروق دقيقة بينهما إلا إذا قلنا: إن التفسير يضل هو التفسير الذي يعتمد على اللغة وأسباب النزول, دون أن ندخل في الباطنية ودون أن ندخل في مستويات أعماق النص.

أما الهرمينوطيقا أي علوم التأويل فهذه تتجاوز مستوى علوم اللغة ومستوى الواقع والعالم إلى مستوى المعاني الباطنية للنص وأبعاده المختلفة، نزل القرآن على سبعة أحرف، فهذا التأويل ينطبق أكثر على الهرمينوطيقا: لأن التأويل يتضمن الأبعاد الباطنية للنص إذا ما عاشه الشعور, في حين أن التفسير هو مجرد ضبط لغوي, وفهم عن طريق مباحث الألفاظ, ربما في العودة أيضا إلى ما سماه الأصوليون والقدماء تحقيق المناط وتنقيح المناط. الهرمينوطيقا الدينية هي منهج تتجلى من خلاله أخلاقيات النص، وتحاول أن تجعل المنهج أداة لكشف الحقيقة الدينية بصرف النظر عما إذا كانت حقيقة ميتافزيقية أم حقيقة طبيعية أم حقيقة أخلاقية اجتماعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير