الهرمينوطيقا الدينية تحاول أن تبني عالم الدين كما كشف عنه النص دون أن تأخذ موقفا ودون أن تقوم بعملية نقدية" (مجلة قضايا إسلامية معاصرة عدد 19، في مقال له تحت عنوان الهرمينوطيقا وعلوم التأويل، ص 88 إلى 116.)
ويكشف لنا حسن حنفي أن: " الخطاب الديني: سواء كان مقدسا أو دنيويا, إلهيا أم إنسانيا, وحيا أم إلهاما، نقلا أم عقلا، و هو أكثر الخطابات عمومية لأنه سلطوي أمري تسليمي إذعاني، يطالب بالإيمان بالغيب وبالعقائد, ويعتمد على التصوير الفني وإثارة الخيال، والحياة المستقبلية وما بها من وعود وخلاص من آلام البشر. قد يكون خطابا عقائديا كما هو الحال في علم الكلام، أو باطنيا كما هو الحال في التصوف، أو تشريعيا كما هو الحال في الفقه وأصوله، يقدسه الناس حتى ليصبح بديلا عن المقدس ذاته, له أصول وفروع, وله قلب وأطراف, وبه حق وباطل, فرقة ناجية وفرق هالكة, يعتمد على سلطة النص أكثر من اعتماده على سلطة العقل. يعتبر نفسه حكما ومقياسا لأنواع الخطابات الأخرى. يتوحد به الحكم بحيث يصبح الخطاب الديني والخطاب السياسي خطابا واحدا. تكثر المذابح والحروب، ويتم تكفير المخالفين باسمه. يدل على مرحلة تاريخية قديمة قاربت على الانتهاء لأنه أقدم على أنواع الخطاب. يؤدي أحيانا إلى الغرور والتعالي والتعصب ولا يقبل الحوار لأنه خطاب أخلاقي يعتمد على سلطة القائل وإرادته. لا يحتاج إلى مقاييس للصدق إلا من صدق القائل" (المصدر السابق ضمن مقال له تحت عنوان: تحليل الخطاب، ص222.)
وهنا يكتنفنا إضمار في هذه الأقوال وهي من مدرسة اعتزالية محضة. إنها الموضة الجديدة التي خرجت بها في حلة جديدة, ولا غرو إن سيقت من مدارس تفننت في اعتماد العقل وتبنته مدرسة آل البيت، كما تبنته مراكز الدراسات الفلسفية لأهل السنة ةالجماعة. (على سبيل المثال مركز الدراسات لد. طه عبد الرحمان بالمغرب).
فهل يكفينا هذا لكونه جاءنا من معتزلة جدد للصد والإعراض عنه وإلى غير رجعة, أم نبيّن بالدليل والبرهان كما بين سلفنا الصالح انحراف الفكر الاعتزالي وانسياقه وراء الأوهام وانجرافه وراء تيارات قد تقذفه على شاطئ الخسران دنيا وأخرى؟ أم نكشف زلل القائل وما ساقه من كفر صريح وزندقة ساقها من عند مشايخه مثل: شلاير ماخر واسبينوزا وماسينيون؟
ونتساءل مع دعاة الهرمينوطيقا هل ضاقت بكم السبل؟ وانسدت الآفاق أمام أعينكم حتى دخلتم جحر الضب تقلدون غيركم, بل وتتخذونهم أئمة هداة, وتنحتون أقوالهم كأنها تنزيل من التنزيل, لها مكانها الأقدس في قلوبكم, وتنزعون القدسية عن النصوص المقدسة لا لشيء إلا لأن تدنس برجس تعدد القراءات؟.
حتى نكون على بينة مما يريده مسوقو الهرمينوطيقا: وهو إخراج علم أصول الفقه بضوابطه الدقيقة, إلى تشتت وتنوع حيث تتضارب الآراء وتتناقض من أقصى الإفراط إلى أقصى التفريط, وما بالنا نسبق الحكم على الاستدلال؟ فحسن حنفي يعرفنا بعلم التأويل بقوله: " أما في علوم التأويل, فما البرهان؟ هنا تتعدد القراءات, إن المرآة أي النص ما هو إلا أنك تستطيع بالمرآة أن توجهها لكي تكشف منظورا, ولو غيرت اتجاهها فإنك تكشف منظورا آخر, أنت عندما تغير اتجاهك من المرآة فسترى منظورا, ففي التأويل لا توجد حقيقة موضوعية كما هو الحال في نظرية المعرفة, ولكن هناك عدة قراءات, عدة منظورات, عدة رؤى, فالتأويل رؤية, وكأن النص مثل البلورة, البلورة متعددة الأبعاد والجوانب, القراءة هي إقامة البلورة على أحد الجوانب, البلورة يمكن أن يكون بها مئة جانب, نستطيع أن ندرك كل جوانب البلورة بواسطة الحواس, لكن القراءة هي أن تأخذ هذه البلورة المتعددة الجوانب وتجعلها ترتكز فوق جانب واحد, وتراها وكأنها ثابتة, هذه هي الرؤية, وبالتالي تتعدد القراءات.
أنا أستطيع أن اقرأ لك القرآن الكريم وأبين أنه كتاب اشتراكي, من خلال استنطاق قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم [سورة المعارج, الآية: 24 - 25.
{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} سورة النساء , الآية: 5
{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} - سورة الحشر, الآية: 7
¥