تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأنّى لعلم بُنيَ أصله على الفلسفة وعلم الكلام أن يحقق غايته المنشودة: ملكة الاستنباط من النص؛ لهذا لا محيص عن تجديد هذا العلم ورده لما كان عليه من لدن الشافعي، ومن قبله كالصحابة وغيرهم.

وإن أردت أن تعلم غياب الأدلة، فدونك أقرب كتاب في علم الأصول – خاصة المتأخرة - تناوله وابحث فيه عن الأدلة، وانظر ماذا ترى؟!

مسائل مجردة.

- تعليلات عقلية.

- افتراضات ذهنية.

- حكاية السيد والعبد!

- أصول كلامية.

- نتف من الأدلة الشرعية!

وهم في ذلك بين مستقل ومستكثر، وناقد ومؤيد، وكتب الأصول المتأخرة في الجملة على قسمين:

1 - متون صناعية معقّدة.

2 - شروح وحواشي، وهي إما شروح تهتم بفك العبارات لا غير، أو شروح تحولت إلى معارك خلافية بين أئمة المذاهب ([5]).

كل ذلك أدى إلى عدم الاهتمام بذكر الأدلة الشرعية على القواعد الأصولية، كما أدى إلى آثار أخرى سلبية في بناء القواعد على غير أصولها، كمن يذكر القاعدة بناء على أصل كلامي، أو بناء على قول السيد لعبده، وإذا حاول تطبيق ذات القاعدة على النص الشرعي لم يجد لذلك سبيلا؛ لفساد التقعيد من الأساس، بل قد يُطوِّع النص حتى يتوافق مع القاعدة وإن لم يدل عليها.

ولتوضيح ذلك تدبّر التقرير التالي:

"مسألة: إذا توجه الأمر إلى واحد لم يدخل غيره فيه بإطلاقه. قال المصنف – الخطابي -: وجه قولنا أنه لا خلاف بين أهل اللغة أن الإنسان إذا قال لعبده افعل كذا وكذا لم يدخل بقية عبيده في ذلك، فكذلك إذا أمر الله تعالى نبيه لم تدخل فيه الأمة" ([6]).

فهل هذا التقرير صحيح؟ هل هذا الدليل يكفي لإثبات هذه القاعدة؟ ألم يكن ثمت فرق بين خطاب الله تبارك وتعالى، وخطاب السيد لعبده أو أمته؟ أليس الأصل في خطاب الله العموم؟ فأين ذلك في خطاب السيد لعبده؟! ثمّ وإن سلمنا جدلا بهذا الأصل؛ هل هذا القياس صحيح؟ وإن صح هل ينهض لتأصيل هذه القاعدة؟

يتحصّل مما سبق أن كتب الأصول قد اشتملت على أمور توجب التجديد منها:

- دخول المادة الفلسفية في علم الأصول.

- غياب الأدلة عن القواعد الأصولية.

- دخول ما لا ثمرة فيه في علم الأصول.

- شيوع التقليد المذموم.

قال بعض الباحثين – في معرض حديثه عن جمود المدونات الفقهية -: (فلم تعد هذه المدونة بحكم تقليدها وامتثالها بحاجة أصلاً إلى هذا النموذج الذي تتحدد وظيفته المنهجية المعرفية الأساسية بتقعيد عملية الاجتهاد. وهو ما يفسر – ما خلا استثناءات محدودة - جمود البحث الأصولي، وتحوله إلى نوعٍ من مختصرات معقدة ومستغلقة للمختصرات، إلى درجة تدفع الشيخ محمد الخضري الذي كان يدرس مادة أصول الفقه في كلية غوردون في السودان إلى وصف ألغازها بأنها (تكاد لا تكون عربية المبنى) وأن فهم (المراد) منها مثل (فتح المعميات).

حتى كأنها (ما ألفت لتفهم) ومن هنا "لا تكاد تفهم وحدها لذلك احتاجت إلى الشروح، واحتاج الشرح إلى حاشية، كحاشية ابن عابدين". ولا أدل على جمود التفكير الأصولي من أن تدريس علم الأصول في الأزهر، قد انحصر قروناً طويلة حتى أوائل القرن العشرين بكتاب (جمع الجوامع) بشرح المحلي الذي يصفه الشيخ محمد الخضري بأنه "عبارة عن جمع الأقاويل المختلفة بعبارة لا تفيد قارئاً ولا سامعاً، وهو مع ذلك خلو من الاستدلال على ما يقرره من القواعد". فلقد غدا علم الأصول بتعبير للشيخ محمد الخضري أيضاً "أثراً من الآثار") ([7]).

فوجود هذه الأمور تبين ضرورة التجديد في علم الأصول، ولا سيما ما يتعلق بربط القواعد الأصولية بأدلتها الشرعية؛ لأن ذلك هو الأصل واللب، وممن نحا هذا المنحا من المتقدمين الإمام الشيرازي – رحمه الله - (ت:476هـ)، فقد كانت له جهود مباركة في تنقيح أصول الإمام الشافعي عن أصول المتكلمين، إضافة إلى ذكر الأدلة الشرعية على المسائل الأصولية، وهذا ظاهر وبيّن، ولا سيما في كتابه "التبصرة" الذي خصه بأصول الفقه المقارن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير