تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهنا يلاحظ أن مفهوم الحفظ الذي دلت عليه قصة الكهف، يؤكده مطلع السورة ومقطعها، فحفظ الكتاب هو حفظ الدين، بل وحفظ المؤمنين أيضاً، كما يستفاد من قوله تعالى: ? قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه?؛ فهذا الكتاب قيم ومهيمن غالب، وهو سائر بالمؤمنين إلى حيث يصبحون ذوي بأس شديد، ولن يبقوا على ضعفهم البادي وقت النزول؛ وقصة ذي القرنين في أواخر السورة مثال على ذلك.

ثالثاً: ما ورد في السنة الشريفة عن سورة الكهف:

روى مسلم عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال، وفي رواية، من آخر سورة الكهف) ().

وهنا فالحديث الشريف يؤكد معنى الحفظ مرة أخرى، فالعصمة من الدجال، تعني الحفظ في أظهر صوره، وهذا الحفظ ناتج من عدم انخداع المؤمنين بدجل الدجال وزيفه، لاهتدائهم بوحي الله تعالى،

وتتجلى ميزة سورة الكهف لقارئها المؤمن بمضمونها في التفريق بين الذين يقعون في حبائل الدجال لتوقفهم عند ما تراه الحواس، وأولئك الذين اهتدوا بوحي الله فعصمهم ونجاهم.

ولقد ابتدأت قصة الكهف بقوله سبحانه مخاطباً نبيه محمداً ? (أم حسبت) لأجل تصحيح ما قد يعلق بالحس والعقل من تصورات وأوهام ناتجة عن ثقلة الواقع المادي وما يظهر من قوة الباطل وضعف الحق وأهله، وهنا فالله تعالى يؤكد أنه الأعلم وما يقوله هو الحق وإن بدا للحس غيره، وقد ظهر بارزاً في قصة الخضر وموسى عليهما السلام كيف أن الحقيقة التي أعلمها الله تعالى للخضر كانت خلاف ما ظنه موسى عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، والزينة التي جعلها سبحانه للدنيا، لأجل أن يتميز من يصدقون وحي الله تعالى بأنها (دنيا)، ممن يتوهمون، لوجود الزينة، خلاف الحقيقة.

إن حديث ابن عباس: كنت خلف النبي ? يوماً فقال: (يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورفعت الصحف) ()، هذا الحديث في رأي الكاتب هو تلخيص أو اقتباس من المحور الرئيس لسورة الكهف.

وأما الأحاديث التي تربط بين سورة الكهف ويوم الجمعة، فسيأتي الحديث عنها- بإذن الله- فيما بعد.

رابعاً: موقع سورة الكهف بين سورتي الإسراء ومريم:

لقد ابتدأت السورة كما خُتمت بقضية حفظ كتاب الله تعالى وكلماته، وإذ أكد مطلع السورة حفظ القرآن الكريم، فقد ألمح إلى أن ما سبقه من كتب الله تعالى لم يشملها حفظ الله سبحانه، وفي ذلك، إشارة إلى أنها بهذه الصورة لا تعبر عن مراد الله ولا تستحق بالتالي أن تكون مرجعاً للمؤمنين خاصة وللناس على وجه العموم.

وإذن فالمحور الأول الذي ينبثق من حفظ الكتاب هو مرجعيته وحده، وإلغاء المرجعيات السابقة بعدما حرفت الكتب؛ حيث إنه وحده كتاب الله تعالى، ولذلك جاء في السورة الكريمة: ? نحن نقص عليك نبأهم بالحق?،?ولا تستفت فيهم منهم أحداً?، ومن هنا يتكرر في سورة الكهف: ? قل ربي أعلم بعدتهم، قل الله أعلم بما لبثوا?، وينبثق عنه أيضاً انتقال الإمامة إلى محمد?، الذي نزل عليه هذا الكتاب المحفوظ.

وكانت سورة الإسراء قد أعلنت انتقال القيادة الدينية من بني إسرائيل إلى محمد ? وأمته، من خلال رحلته ? إلى بيت المقدس، التي كانت مركزاً لعدد من أنبياء بني إسرائيل، بسبب الفساد، بل الإفساد الكبير الذي انتهى إليه بنو إسرائيل فلم يعودوا يصلحون لحمل الرسالة والإمامة الدينية، ولذلك فقد كانت إمامة رسولنا ? بالأنبياء ليلة الإسراء رمزاً آخر على استلامه وأمته لأمانة الدين.

وتؤكد سورة مريم المعنى ذاته بعد أن تستعرض عدداً من الأنبياء حيث تذكر أن الذين جاءوا من بعدهم ضيعوا الصلاة التي هي عمود الدين ولم يحافظوا على ميراث النبوة: ? أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ومن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً? [مريم: 58 - 59]، ما يعني أن الراية ستنتقل إلى غيرهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير