تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد لفت بعض المفسرين إلى أن مغزى اتباع موسى ? للخضر كي يتعلم منه، هو أن يحذو قومه حذوه فيتبعوا محمداً ?.

التوحيد

وأبرز قضية في هذا الكتاب المحفوظ هي قضية التوحيد، ولذلك جاءت في مطلع السورة وختامها: ففي المطلع حمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب، وفي الختام تأكيد الكلام على لسان الرسول أنه بشر/عبد، وأنه يوحى إليه. في البداية أن الكتاب ينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً، وفي الختام أن طريق النجاة هو بالعمل الصالح، وأن لا يشرك بعبادة ربه أحداً.

وقد زلت أقدام الأمم السابقة بانحرافهم عن التوحيد، الذي أهم ما فيه الفصل الواضح بين مقام الألوهية ومقام العبودية، ولذلك يسترعي الانتباه اشتمال مطالع السور الثلاث: الإسراء والكهف ومريم، على ما يبدد الأوهام التي قد تنجم عن إكرام الله تعالى أحد عباده بالنبوة أو الإسراء أو الرحمة الخاصة، بتكرار لفظة: (عبده) في كل واحدة: ? سبحان الذي أسرى بعبده?، ? الحمد لله الذي أنزل على عبده?، ?ذكر رحمة ربك عبده زكريا?، ثم يكون أول كلام عيسى عليه السلام لقومه وهو في المهد: ? إني عبد الله ? [مريم]،حتى لا يتسرب الوهم بوجود خصائص إلهية لدى عيسى? نتيجة معجزة الولادة والكلام في المهد وما سيتبعهما من إحياء الموتى وغيرها.

والأمر ذاته يقال في وصف الله تعالى للخضر في قصته مع موسى عليهما السلام، (فوجدا عبداً من عبادنا)، إذ لم يكتف سبحانه بالقول إنه (عبد) وإنما أتبعها بالقول (من عبادنا)؛ ذلك أن ما أجراه سبحانه من الخوارق على يديه، وما أعلمه من الغيب الذي أخفاه حتى عن موسى? حتى جعله يتتلمذ عليه، كل ذلك قد يوقع في النفوس الضعيفة والعقول الخفيفة أن للخضر عليه السلام ميزة على موسى، بل وأن له نسباً إلهياً، ومن هنا جاءت الآيات تبين أن الخضر مع كل ذلك لا يعدو كونه عبداً، وأن ما ذُكر بشأنه لا يعطيه ميزة على سائر عباد الله تعالى ولا يخرجه عن أن يكون واحداً من عدادهم، ولذلك جاء فيما روى البخاري من كلام الخضر لموسى عليهما السلام، أن عند كل واحد منهما علماً علّمه الله تعالى إياه مما لم يعلمه الآخر، وكأن في اختيار مجمع البحرين مكاناً لالتقاء الرجلين ما يشي بأن كلاً منهما بحر فيما علّمه الله، لا أن الخضر بحر وموسى نهر أو بحيرة.

ولعل فيما جاء عن قرار الذين غلبوا على أمرهم أن يتخذوا مسجداً على أصحاب الكهف، ما يشير إلى بدايات الشرك عند الأقوام السابقة تحذيراً لأمة محمد ?، من مثل صنيعهم.

تصحيح الحسبان:

يلفت النظر توجيه الخطاب في مطلع قصة الكهف إلى النبي?،? أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً?، ما يعني أن القصة مسوقة في تصحيح حسبان قد يتسرب بأن الآية الربانية في حفظ الإيمان وأهله فريدة من نوعها ولا سبيل إلى تكرارها، والملاحظ أنه يتكرر في السورة الكريمة موضوع التصويب، وهو أمر طبيعي، وما دام هذا الكتاب كتاب الله تعالى فإنه المرجع، وما يخبر به هو الحق، وإن ظهر للناس غير ذلك، فإنه لا أعلم من الله تعالى، ولذلك فقد تحدث صاحب الظلال عن سورة الكهف ودورها في تصحيح الفكر والنظر والسلوك والموازين، فالسورة تؤكد أن الله تعالى جعل ما على الأرض زينة لها، ما يعني أن ما يظهر على السطح ليس بالضرورة هو الحقيقة، ثم يأتي التعقيب على قصة الكهف بأمر النبي ?،? واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً?، إن المظهر الخارجي ربما يوهم بأن هؤلاء المؤمنين لا مستقبل لهم، وأن القوة والمستقبل مع الذين بيدهم زينة الحياة الدنيا، فتؤكد السورة أن أمر هؤلاء فرط غير متماسك وأن المستقبل الحقيقي في الدنيا والآخرة هو مع هؤلاء المستضعفين الذين قد لا يملأون العيون فعليه أن يصبر نفسه معهم، وألا تعدو عيناه عنهم باتجاه من أغفل الله قلبه واتبع هواه وكان أمره فرطا كمثل صاحب الجنتين، الذي حسب أنه خير عند الله لكونه أكثر من صاحبه مالاً وولداً، وأنه مفضل في الآخرة كمثل تفضيله في الدنيا، فجاء رد صاحبه المؤمن ثم الإحاطة بثمره ليصحح له سوء فهمه وليرسخ للمؤمنين ما يجيئهم من الوحي، ويستمر الجو- جو التصحيح- في قصة موسى مع الخضر بمشاهدها الثلاثة، وحتى في قصة ذي القرنين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير