تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اصطفى الله ـ تبارك وتعالى ـ رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، وتولاهم بحسن النشأة، وتعهدهم بتمام الرعاية، ونبأهم بما يحتاج إليه العباد من العلم؛ فكان للعلم في دين الله شأن ينبئك عنه أول القرآن نزولاً على نبينا-صلى الله عليه وسلم- حين خاطبه ـ تبارك وتعالى ـ بقوله: ((اقْراً بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ)) (3) وبهذه الآيات وضع الله ـ تعالى ـ معالم الرسالة الإسلامية الخالدة في عمومها المطلق وشمولها الأعم مبيناً أنها رسالة العلم والمعرفة والعقل، وهي أعظم نعم الله ـ تعالى ـ على الإنسان) (4) وبهذه الآيات البينات، وما تضمنته من الإشادة بالقراءة والكتابة والعلم، أبان الله ـ عز وجل ـ لنبيه-صلى الله عليه وسلم- ولأمة الإسلام أن المعرفة بوسائلها: من قراءة وكتابة وتعلّم هي الأسلوب الأمثل لتبليغ الرسالة.

وبهذه الآيات أعطيت الأمة مفاتيح الإصلاح والتقدم والرقي؛ لتعلم أنه لا إصلاح ولا مدنية ولا حضارة بغير علم ومعرفة؛ فالجهل ـ وهو نقيض العلم ـ لا يأتي إلا بالشر والفساد والتخلف، كما أن الهداية إلى معرفة الحق واعتناقه والحرص على إقامة معالمه والدعوة إليه لا يكون إلا مع العلم، ولا يكتب للعلم النمو والانتشار إلا إذا سجله القلم ونشره وأعلن عنه (5) ومن اللافت للنظر أن استفتاح الوحي بهذه الآيات البينات فيه دلالة واضحة على أن العلم في دائرة سنن الله في الحياة يعد من أهداف الأمة الإسلامية في تبليغها رسالة الإسلام؛ (لأن العلم هو العنوان الأعظم على خلود هذه الرسالة، وهو العنصر الحيوي في تكوين حقيقتها الهادية الراشدة، وهو الآية الكبرى على صدقها وصدق رسولها) (6)، وبقي شعاره التمثل لهذا الأمر مع طلب الزيادة منه: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)) 7 وذكر بعض المفسرين أنه -صلى الله عليه وسلم- ما أمر بطلب الزيادة من شيء سوى العلم، وكان يقول: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً) وكان يستعيذ من العلم الذي لا ينفع.8، فأعلن منهجه أبلجَ يضاهي وضوحه ضياء الشمس: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... )) 9.

من هنا كانت سنة الدعاة ـ المقتدين بالرسل في الوظيفة ـ تري طريقتهم في التكوين والنشأة .. فصارت الركيزة الأولى في تكوين الداعية: العلم، فهو الذي يهتدي به العمل، ويُحفظ به الدين.

قوام الدين: علم يهدي، وسيف ينصر ((وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)) 10،وكما حرس الله بيضة الإسلام بالمجاهدين في سبيله، فقد حفظ شريعة الإيمان بالعلماء والمتعلمين. والجهاد لا يتم على وجهه الحق إلا بالعلم المؤهل المؤصل المفصل بالقرآن الكريم والسنة النبوية. فالعلم ضرورة فوق ضرورة المأكل والمشرب والملبس والدواء؛ إذ به قوام الدين والدنيا، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولا غرو فإن الدعوة إلى الله إذا كانت (أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي) 11،ولقد كان من أعظم أسباب ضعف المسلمين في هذا العصر: الجهل، وقلة العلماء العاملين، وسوء الخطط في مراحل الدراسة المختلفة في البلاد الإسلامية، وضعف الهمم والعزائم في الجد والبحث والتحصيل، والتخصصات الجزئية التي أضعفت العلوم الشرعية، والانهزام النفسي أمام بعض العلوم المادية، والنظر إلى التخصصات الشرعية نظرة دونية.

هذه الأسباب وغيرها جزء من واقع الأمة ـ في الجانب العلمي ولا شك أن بُعْد الهوّة بين الأمة وماضيها أذهل دعاتها الغيورين عن كثير من مصالحهم، وأفقد بعضهم شيئاً من التوازن سواء في تربيتهم لأنفسهم، أو في برامجهم التربوية المطروحة التي يسعون لتحقيقها؛ فلربما كانت الحركة الدؤوب على حساب بعض العلم، فإذا وضع هذا في الحسبان عرفنا ما يجب الفئة التي تضلع لإحياء الأمة والعمل للتمكين للدين تجاه العلم، وأنه لا بد من منح الهدف العلمي أولوية تليق به، بل يجب أن تصاغ الأهداف الأخرى على ضوئه؛ لأن التعليم والتربية صنوان لا ينفكان: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير