تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقد قالت زوجة بوش تصف زوجها يوماً: إنه رجل دراسة لما كان ينفق من الوقت في قراءة ما يصله، وعندهم للأسف أمثلة من رجال السياسة والمعرفة ما لا يوجد له قرين عندنا في زمن الانحدار، إذ لا يمكن أن يهدي أمته جاهل أو ينتصر لها 14.

والعجيب أن أمة الإسلام التي بدأت رسالتها بأول آية نزلت من السماء ((اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ)). قلما تجد قارئاً ونادراً ما تجد مولعاً بالعلم أو شرهاً للمطالعة وحب المعرفة. بل حتى طلبة العلم انتقلت إليهم العدوى، وكأنهم مرغمون أو مجبرون على القراءة والتعلم.

وإنها لمفارقة أن تجد أعداء الإسلام والعلمانيين وأصحاب الفكر والمذاهب الهدامة والتيارات المنحرفة لا يكلون ولا يملون من المطالعة والبحث والكتابة، فتجد مؤلفاتهم وكتبهم تملأ الأسواق ومقالاتهم تغطي الصحف والمجلات والجرائد، ويتناولون مواضيع مهمة، ويتطرقون لأبحاث جديدة .. فيبدو وكأنهم رواد الحضارة والثقافة العربية المعاصرة.

*الدواعي التي تدعو إلي أهمية القراءة وجعلها هدفاً مدى الحياة:-

إن هناك دواعي كثيرة، تفرض علي الفئة التي تريد التمكين لدين الله في الأرض و على الواحد منا أن يتعلم، ويقرأ، ويكتسب الخبرات مدى الحياة، منها:

1 - إن الذي يدعو الإنسان إلى مزيد من التعلم، هو العلم نفسه، إذ إنه كلما زادت المعرفة، اتسعت منطقة المجهول، والتقدم نفسه يعمل على زيادة حاجة الإنسان الشديدة إلى المعرفة، حيث إن التوغل في حقول المعرفة، يتيح إمكانات ومجالات جديدة، ويولَّد دوافع جديدة للتقدم الأوسع نطاقاً. والمثقف الذي يرغب في الحفاظ على قيمة ثقافته وكرامتها، مطالب بأن يعيد تكوين ثقافته على نحو مستمر ومتجدد، وعندما يشعر بالاكتفاء بما لديه من معلومات، سيضع نفسه على شفا الانحطاط. وإذا كان متخصصاً فإن أمواج القفزات العلمية في تخصصه، ستقذف به نحو الشاطئ، ليجد نفسه في النهاية خارج التخصص. الوضع الذهني للرجل متوسط الثقافة - فضلاً عن الضعيف - يسف وينحط بسبب ما يحتشد من النظريات والأفكار والمذاهب التي لم يعد بإمكانه المساهمة فيها، حتى لو أبدى اهتماماً بها. إن جهلنا ينبسط مع تقدم المعرفة، كما ينبسط سطح التماس لكرة ما مع العالم الخارجي عندما يكبر قطرها، وهذا يشكل تحدياً متزايداً لكل قارئ.

2 - لم يكن لدى الناس قديماً إحساس قوي بارتباط كسب الرزق بمدى ما يحصلَّونه من علم، لكن الوضع قد تغير اليوم؛ حيث تتضاءل على نحو متصاعد المهن والوظائف التي يمكن للأميين ومحدودي الثقافة الاضطلاع بها. وسوف تجد الأمة التي لا يحسَّن أبناؤها مستوى معارفهم - على نحو مستمر- نفسها مؤهلة لأن تكون تابعة للأمم الأخرى، ومستغلة لها على كل المستويات!

3 - إن ما نمتلكه اليوم من معارف وخبرات، لا يتمتع بقيمة مطلقة؛ فسكان الأرض يشكلون عالماً واحداً، وأهمية كل جزء من أجزاء هذا العالم، تنبع دائماً من قدرته على الصمود والمنافسة وحل المشكلات، وما يمتلكه من وزن في الساحات العالمية. وشيوع الأمية الأبجدية والحضارية، قد جلب على أمة الإسلام مشكلات هي أكبر مما نظن؛ وليس ذلك على صعيد المعيشة والإنتاج فحسب؛ وإنما على صعيد فهم الإسلام أيضاً؛ فالإسلام بما أنه بنية حضارية راقية، لا يتجلى على نحو كامل إلا عبر تجربة معرفية وحضارية رائدة؛ مما يعني أن التخلف الذي نعاني منه قد حال بيننا وبين رؤية المنهج الرباني على النحو المطلوب.

4 - إن العقل البشري، يميل دائما إلى تكوين عادات ورسم أطر لعمله، وهي مع مرور الوقت، تشكل نوعاً من البرمجة له؛ والبيئة - بكل أنواعها - هي التي توفر مادة تلك البرمجة. وكلما كانت ثقافة الإنسان ضحلة، وكانت مصادر معرفته محدودة، ضاقت مساحة تصوراته، وأصبح شديد المحلية في نماذجه ورؤاه، عاجزاً عن تجاوز المعطيات الخاطئة التي تشربها من مجتمعه. والقراءة الواسعة، والاطلاع المتنوع هو الذي يعظم الوعي لديه من خلال المقارنة وامتداد مساحات الرؤية، وقد كان علماء السلف، لا يثقون بعلم العالم الذي لم يرحل، ولم يغبِّر قدميه في طلب العلم، إدراكاً منهم لمخاطر البرمجة الثقافية القائمة على معطيات محلية محدودة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير