العقل:- لغة مصدر عقل، يعقل، عقلاً، فهو معقول، وعاقل. وأصل معنى العقل المنع، يقال: عقل الدواء بطنه، أي أمسكه، وعقل البعير: إذا ثنى وظيفه إلى ذراعه، وشدهما بحبل؛ لمنعه من الهروب. وأطلق العقل على معان كثيرة، منها: الحجر والنهي، والدية؛ لأن القاتل يسوق الإبل إلى فناء المقتول ثم يعقلها هناك، ويطلق - أيضاً - على الملجأ والحصن، وكذلك القلب23؛ ولذا قال عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - في ابن عباس - رضي الله عنهما ((ذاكم فتى الكهول، إن له لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً)) 24 وما تقدم من إطلاقات فهي تدور حول المنع.
وفي الاصطلاح فالمختار هو أن يقال: العقل يقع بالاستعمال على أربعة معان 25: الغريزة المدركة، والعلوم الضرورية، والعلوم النظرية، والعمل بمقتضى العلم.
التفاوت في العقول:
الحق أن يقال: إن العقول تتفاوت من شخص إلى شخص، بل قد يحصل هذا التفاوت في الشخص الواحد، كما قال الشاطبي - رحمه الله -: ((فالإنسان - وإن زعم في الأمر أنه أدركه، وقتله علماً - لا يأتي عليه الزمان، إلا وقد عقل فيه ما لم يكن عقل، وأدرك من علمه ما لم يكن أدرك قبل ذلك، كل أحد يشاهد ذلك من نفسه عيانا، ولا يختص ذلك عنده بمعلوم دون معلوم .. 26
وحديث:» .. ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن .. «27 مما يمكن الاستدلال به على هذا التفاوت، إذ الحديث دل بمنطوقه على النقصان، وبمفهومه على الزيادة وهو معنى التفاوت، بل هو دليل على تفاوت العقل الغريزي أيضاً لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرر أن جنس النساء فيه نقصان العقل، وهذا لا يكون إلا في الغريزة التي خلقن بها، ولأن التفاوت في الجانب الكسبي فرع عن التفاوت في الجانب الغريزي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:» الصحيح الذي عليه جماهير أهل السنة، وهو ظاهر مذهب أحمد، وأصح الروايتين عنه، وقول أكثر أصحابه، أن العلم والعقل ونحوهما يقبل الزيادة والنقصان28.
مكان العقل:
اختلف أهل العلم في مكان العقل من جسم الإنسان، والتحقيق أن العقل له تعلق بالدماغ والقلب معاً، حيث يكون مبدأ الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة والقصد في القلب، فالمريد لا يكون مريداً إلا بعد تصور المراد، والتصور محله الدماغ 29، ولهذا يمكن أن يقال: إن القلب موطن الهداية، والدماغ موطن الفكر؛ ولذا قد يوجد في الناس من فقد عقل الهداية - الذي محله القلب - واكتسب عقل الفكر والنظير - الذي محله الدماغ - كما قد توجد ضد هذه الحال.
يتبع إن شاء الله ...... العلاقة بين الفكر واللغة.
ثبت المراجع:-
18 - المعجم الوسيط، مادة فكر.
19 - د. عبد الكريم بكار مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي، انظر تعريفا آخر في: الأزمة الفكرية المعاصرة: 27.
20 - حتي لا تكون كلاً.
21 - تجديد البعد العقلي د. عبد الكريم بكار مجلة البيان عدد 136 ذو الحجة 1419هـ-أبريل 1999م.
22 - [المؤمنون: 14].
23 - - انظر: لسان العرب 11/ 458 وما بعدها مادة: عقل، والقاموس المحيط وما بعدها مادة: عقل.
24 - رواه الحاكم في مستدركه 3/ 539 وقال عنه الذهبي: منقطع.
25 - - انظر: إحياء علوم الدين لأبي حامد بن محمد الغزالي 1/ 85 - 86، ومجموع فتاوى ابن تيمية 9/ 287، 305، 16/ 336، ودرء تعارض العقل والنقل 1/ 89 والمسودة ص: 558 - 559، والذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصفهاني ص:93 والفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/ 20،وانظر مجلة البيان عدد56.
26 - انظر الاعتصام 2/ 322.
27 - صحيح البخاري 1/ 405.
28 - انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 10/ 721 - 722
29 - انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 9/ 304.
ـ[محمد المصري]ــــــــ[18 Aug 2007, 06:07 م]ـ
*اللغة والفكر:-
لا شك أن اللغة وعاء الفكر؛ ولذا كانت عناية السلف عظيمة بالحفاظ على لغة القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين، وازداد حرصهم ذلك بعد دخول الأعاجم في دين الله وإقبالهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكان منهم من لا يعرف الألفاظ في أصل اللغة ولا قانونها، كما كان منهم ـ وهذا هو الغالب والأخطرـ من لا يعرف مراد الشارع بالألفاظ؛ لأنه لا يعرف سنته في الخطاب ولا يحيط بجميع النصوص الوارجة في الموضوع محل الفهم أو البحث30.
¥