ما ينفعهم ولا يضرهم.،أوجد القرآن المناخ العلمي لينتفع الناس من التاريخ والجغرافيا فذكر أسباب التقدم وأسباب الانهيار عند الأمم ((قلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الأنعام: 11]،فالمناخ العلمي هو الذي يسمح بالإبداع وطرح الأسئلة ولذلك شنع القرآن على الجمود وعلى الذين يقولون (إنا وجدنا آباءنا) الزخرف23).إن الله سبحانه عندما أعطى الإنسان قوى العقل ليفكر أرادمنه أن يكون التفكير طريقاً لما هو أنجح وأقوى وأحكم ولم يعطيها للإنسان ليجعلها خيالات وخرافات (9)،يقول الشيخ ابن عاشور: (إن إصلاح التفكير من أهم ما قصدته الشريعة الإسلامية في إقامة نظام الاجتماع، وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن باستدعاء العقول للنظر والعلم والاعتبار .... ) (10) كما يدعو القرآن إلى التفكير بشكل عام والتخلص من إرث الآباء والأجداد كما في قوله تعالىُ ((قلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سبأ: 46]
-وبين القرآن أن سبيل الدعوة الصحيحة وهو سبيل المرسلين الدعوة على بصيرة.
-يقول تعالى في سورة يوسف [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108] قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته {سبيلي} وطريقتي ودعوتي أدعو إلى الله وحده لا شريك له {على بصيرة} بذلك ويقين علم مني به أنا ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي {وسبحان الله} يقول له تعالى ذكره: وقل تنزيها لله وتعظيما له من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه في سلطانه: {وما أنا من المشركين} يقول: وأنا بريء من أهل الشرك به لست منهم ولا هم مني
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ذكر من قال ذلك حدثني المثنى قال أخبرنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس في قوله: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} يقول: هذه دعوتي
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} قال: {هذه سبيلي} هذا أمري وسنتي ومنهاجي {أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} قال: وحق والله على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه ويذّكر بالقرآن والموعظة وينهى عن معاصي الله
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس قوله: {قل هذه سبيلي} هذه دعوتي
حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع: {قل هذه سبيلي} قال: هذه دعوتي. (11)
يقول الهروى رحمه الله في المنازل في الكلام على نفس الآية:- يريد أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم وهى البصيرة التي تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهى أعلى درجات العلماء، قال
تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) أي أنا واتباعى على بصيرة، ومن اتبعني كذلك يدعو إلى الله على بصيرة، وعلى القولين:-
فالآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله تعالى، ومن ليس منهم فليس من أتباعه على الحقيقة والموافقة وإن كان أتباعه على الانتساب والدعوى) (12).
فنرى من تفسير السلف لهذه الآية أن" البصيرة " يجب أن تكون من سمات القائد والأتباع أيضا لا ينفرد بتا أحد دون الآخر.
ونرى كذلك أن القرآن قد أخبرنا عن قوم ضلوا بسبب عدم تفعيل عقلهم وتفّكرهم واتّبعوا ما عليه الآباء وهم أصحاب "العقلية الآبائية"وهم الذين قالوا (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (الزخرف23) فحين عطلوا تفكيرهم عن إبصار الحق ارتكسوا هم وآباءهم في الضلال المبين (13).
2 - *النبي صلي الله عليه وسلم يربي تربية القادة لا تربية العبيد (14):-
¥