تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمدينة رأسه إلى القرية وذنبه إلى المدينة لكان ذنبه خير من رأسه. كان الجهل قديماً ـ أيها الأفاضل ـ متفشياً في القرى وسميت القرية ضيعة لأن العلم أو العالم يضيع فيها، أما الآن بحمد الله تعالى كثر العلم في القرى حتى أننا نرى في هذا الزمن أن أكثر أهل العلم هم من الأرياف لملازمتهم دروس العلم والذكر. وكان (الشيخ بدر الدين) رحمه الله تعالى يولي الشيخ (محمود) رحمه الله اهتماماً خاصاً وعناية فائقة، ويراقبه عن كثب ويتعهده دوماًواستمراراً وكان يلحظه برقيق توجيهاته ويتحفه بكريم إرشاداته حتى أضحى من أوائل الخصوصيات، لما كمن فيه من شمائل النباهة والفطانة والصفات. ويقول له: يا (محمود)، سأتفرغ لك حتى تكمل. وكان سيدنا الشيخ (بدر الدين) يسعى لئن يكون الشيخ (محمود) مديراً للمكتبة الظاهرية، فقال له: أتدري لماذا أسعى لذلك؟ فأجابه الشيخ (محمود) بقوله: لا، فقال له: لأن فيها كتباً كثيرة لا تستطيع أن تشتريها فتقرأ هناك ما شئت منها وكان هناك أُناس يُمانعون تسليم الشيخ (محمود) إدارة المكتبة الظاهرية، وفي مرض الشيخ (بدر الدين) الذي توفي فيه قال للشيخ (محمود) يامحمود:إن شفاني الله من هذا المرض هي لك ـ لأن ولده الشيخ (تاج) كان رئيساً للجمهورية وإن مت سوف أدعو لك.

وبعد وفاة الشيخ (بدر الدين) بشهرين رآه في المنام فقال له: يا محمود إني دعوت الله لك، فسأله الشيخ (محمود) بماذا دعوت لي؟ فقال: دعوت الله أن يكون معك ملكٌ يسددك ويقاربك. وجاءه مرة الشيخ (أبو الخير) بعد صلاة الفجر وقال له: يامحمود، رأيت الليلة رؤيا، وهو أني حامل الشيخ (بدر الدين) على ظهري، ونازل به على الدرج، وهو يقول لي: الله يرضى عنك وعن الشيخ (محمود)، فسألته الشيخ (محمود العطار)؟ لأنه كان أكبر تلاميذ الشيخ (بدر الدين)، فأجاب: بل تلميذك الشيخ (محمود الرنكوسي). وكان الشيخ (محمود) أثناء طلب العلم، يصوم عشرة أيام متواصلة واثنتي عشرة يوماً وخمسة عشرة يوماً لا يفطر بينها أبداً، فسألته يامولانا: ألم تشعر بجوع أو عطش؟ فأجابني بقوله: كأني كنت آكل كل يوم خروفاً. وكان رحمه الله تعالى يقرأ ويطالع الدرس ليلاً حتى يطلع الفجر.

وعندما يحين موعد الدرس، كان سيدنا الشيخ (بدر الدين) لايسمح لأحد أن يوقظ الشيخ (محمود) بل كان يصعد بنفسه ويقف على باب غرفته ولا يزيد عن قوله السلام عليكم حتى يستيقظ، ويقول له: حان موعد الدرس. والله يشهد أني قد سمعت هذا الكلام من فم سيدنا الشيخ (محمود). وفي يوم من أيام الشتاء الباردة القارصة، أصابت سيدنا الشيخ (محمود) جنابة وهو في دار الحديث، فخرج إلى البحرة وصار يكسر الثلج من على وجه البحرة ونزل وسطها، فأصابه مرض يدعى (ذات الجنب القيحية) وهو مرض خطير حتى يومنا هذا ـ فأُدخل مشفى الغرباء الوطني (بدمشق) وكان المشفى الوحيد بدمشق حينئذ، وكان والد الشيخ (محمود) يعوده مراراً وهو مستلق على الفراش في غيبوبة دائمة لا يقوى على الحراك من شدة المرض، حتى قال له الطبيب المسؤول لا داعي لأن تتعب نفسك أيها الشيخ وارحم شيبتك، فابنك حالته ميؤوس منها، وهو ميت خلال أيام لا محالة. وفي اليوم التالي رأى في الرؤيا أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم) دخل عليه، ومعه سيدنا الشيخ (بدر الدين)، فأشار (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيده للشيخ (بدر الدين) بأن يرقيه فرجع الشيخ (بدر الدين) قليلاً إلى الخلف حياءً من (رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وطلب من (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بحياء وأدب أن تكون الرقية منه، فوضع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) يده ودعا له بالشفاء، فاستيقظ الشيخ (محمود) من السبات وهو يميل للإقياء، فتوجه إلى المغسلة وتقيأ قيحاً ودماً بكمية كبيرة، فشعر بشفاء تام، ولم يعد إلى الغرفة بالمشفى، بل توجه مباشرة إلى دار الحديث وصعد غرفة الشيخ (بدر الدين)، فدخل عليه وهو في الدرس، فأشار إليه الشيخ (بدر الدين) مبتسماً، كأنه يقول له الحمد لله على السلامة، فأراد الشيخ (محمود) أن يؤدي الشكر لشيخه، فأشار إليه أن لا تبح بشيء، فسأل الشيخ (محمود) والده، هل كان يزوره أحد في المشفى؟ فأجابه بقوله: إن الشيخ (بدر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير