تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمعنى قوله متشابهاً: أي يشبهُ بعضه بعضاً، مثاني: ثنيت موضوعاته مرة بعد مرة، وهذا يقودنا إلى القول بوجود الوحدة الموضوعية في القرآن كله.

فسورة الفاتحة جامعة كالديباجة، ففيها مفاتيح لجميع ما في القرآن [8]، ولذلك كان من أسمائها: أم القرآن وأم الكتاب والأساس.

وقال الحسن البصري: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتبٍ من السماء أودع علومها أربعة منها: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان، ثم أودع علوم القرآن المفصل، ثم أودع علوم المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة، ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان [9] جمعت هذه السورة على إيجازها علوماً جمة تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله ((رب العالمين) وتوحيد الإلهية من قوله: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فهو المألوه بعبادته والاستعانة به، وتوحيد الأسماء والصفات وقد دل عليها قوله ((الحمد لله))، فالأسماء الحسنى والصفات العليا كلها محامد ومدائح لله - تعالى -.

وتضمنت السورة أيضاً إثبات الرسالة في قوله: ((اهدنا الصراط المستقيم)) لأنه الطريق الذي دلنا عليه النبي - عليه الصلاة والسلام -.

وتضمنت إثبات الجزاء بالعدل، وذلك مأخوذ من قوله - تعالى -: ((مالك يوم الدين)) وأن جميع الأشياء بقضاء الله وقدره، وأن العبد فاعل على الحقيقة ليس مجبوراً على أفعاله، وذلك يفهم من قوله - تعالى -: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فلولا أن مشيئة العبد مضطر فيها إلى إعانة ربه وتوفيقه لم يسأل الاستعانة.

وتضمنت السورة أيضاً أصل الخير ومادته وسبب قبول العمل، وهو الإخلاص الكامل لله في قول العبد: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) [10].

وفي الحديث عن أبي هريرة قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ قل هو الله أحد الله الصمد حتى ختمها" [11].

وعن قتادة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله جزّأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن" [12].

قال النووي في شرح الحديث: قال المازري، قيل: معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص وأحكام وصفات لله - تعالى -، وقل هو الله أحد متضمنة للصفات فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء [13].

وقال ابن حجر: هي ثلث باعتبار معاني القرآن، لأنه أحكام وأخبار وتوحيد، وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثاً بهذا الاعتبار [14].

وعن أبي العباس بن سريج في تفسيره لسورة ((قل هو الله أحد)): بأن الله أنزل القرآن على ثلاث أقسام: ثلث منه أحكام، وثلث منه وعد ووعيد، وثلث منه الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات [15].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مضمون هذا القول أن معاني القرآن ثلاثة أصناف: الإلهيات والنبوات والشرائع [16].

ونقل الثعالبي في تفسيره عن ابن العربي قوله: اعلم أن علوم القرآن ثلاثة أقسام: توحيد وتذكير وأحكام، وعلم التذكير هو معظم القرآن، فإنه مشتمل على الوعد والوعيد والخوف والرجاء، والقرب وما يرتبط بها ويدعو إليها ويكون عنها، وذلك معنى تتسع أبوابه وتمتد أطنابه [17].

ثم تأمل في بعض سور القرآن كيف تثنى موضوعاتها مرة بعد مرة، فتجد المعنى واحداً ولكن يختلف الأسلوب وطريقة السياق، ولاشك أن هذا مؤداه إلى القول بالوحدة الموضوعية.

اقرأ مثلاً بتدبر وتأمل سورة البقرة وهي أطول سور القرآن الكريم، ثم اقرأ بالطريقة نفسها سورة لقمان كيف تكررت المعاني مع اختلاف الأسلوب وطريقة السياق، فالمعاني نفسها التي وردت في البقرة جاءت بطريقة مختصرة في سورة لقمان، لقد اتحدت السورتان في افتتاحيتيهما ((ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)).

((ألم، تلك آيات الكتاب الحكيم، هدى ورحمة للمحسنين))، ثم جاء في سورة البقرة قوله - تعالى -: ((يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)).

وجاء في سورة لقمان قوله - تعالى -: ((ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد))، وقوله - تعالى -: ((فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير