ب- إذا التقى الصفان حرم على المسلم الفرار، بل هو من كبائر الذنوب قال - تعالى - (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متميزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير) -سورة الأنفال آية 15، 16 - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يارسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر ... والتوالي يوم الزحف ... ) -رواه البخاري ومسلم.
وقد استثني في الآية جواز الفرار في حالتين:
الأولى: التحّرف وهو أن ينتقل المجاهد من موقع إلى آخر احتيالاً على العدد، وقد يدبر عنه يوهمه بالهرب ثم يكرُّ عليه.
الثانية: التحيز إلى فئة، وذلك أن يعلم المجاهدون أن لا طاقة لهم بقتال العدو إما لكثرته أو قوة عدته فينحازون إلى طائفة من جيش المسلمين لمناصرتهم بعيدة كانت أو قريبة،
واستثنيت حالة ثالثة: وهي في آية المصابرة في قوله: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون، الآن خفف الله عنكم وعلم أن منكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين) -سورة الأنفال آية 65، 66 - أي فإذا كان عدد العدو أكثر من ضعف عدد المجاهدين أقل من إثني عشر ألفًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة)، ويرى آخرون من أهل العلم بأن هذه الآية ليست مستثناة من آية تحريم التوالي، بل يحرم على المجاهدين أن يفروا من عدوهم إذا قابلوهم لقوله - تعالى - (ومن يولهم يومئذ دبره إلا محترفًا لقتال أو متميزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ... ) ولحديث: (اجتنبوا السبع الموبقات ... ) وقالوا: إذا كان عدد العدو لا يطيقه المجاهدون فإن لهم مخرجًا بواحد من أمرين، إما التميز إلى فئة، وإما التحرف لقتال بأن ينتقلوا إلى مكان آخر يمكنهم الثبات فيه. وعلى هذا يكون الخلاف شبه لفظي. والله أعلم.
جـ- إذا كان للمسلمين أسرى عند الكفار حتى يستنقذوهم منهم، قال - تعالى -: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ... الآية) -سورة النساء آية 75 - .
د- إذا عين الإمام رجلاً وجب عليه القتال وقد تقدم دليل في الفقرة (أ)
*المعذورون عن الجهاد: -
يعذر عن الخروج في الجهاد أنواع من الناس ذكر منهم في القرآن:
1 - الضعفاء 2 - المرضى 3 - الذين لا يجدون ما ينفقون، قال - تعالى -: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم، قلت: لا أجد ما أحميكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون) -سورة التوبة آية92، 93 -
1 - وقال - تعالى - (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) -سورة الفتح آية17 - قال ابن كثير في تفسيره لآيتي سورة التوبة (ثم بين الله الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها:
1 - ما هو لازم للشخص لا ينفذه عنه وهو الضعيف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى والعرج ونحوه، ولهذا بدأ به.
2 - ومنها: ما هو عار من بسبب مرض عنّ له في بدنه شغله عن الخروج في سبيل الله
3 - أو بسبب فقر لا يقدر على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم).
وهؤلاء المعذورون يكتب لهم كأجر القائمين بالجهاد إذا علم الله منهم الصدق في أنهم لولا العذر لخرجوا ولذا فهم متحسرون على تخلفهم.
¥