والمعنى إذا سمعتم الإقامة كما جاء في بعض طرق الحديث وظاهر هذا أن الإسراع قبل إقامة الصلاة لا مانع منه وقد اختلف الفقهاء في هذا فذكر النووي وغيره من أهل العلم أن لفظ الإقامة خرج مخرج الغالب وليس قيداً، وذكر أن الإسراع منهي عنه حال الإقامة وبعدها من باب أولى وأما قبل الإقامة فرجح المنع وفيه نظر والحق الجواز.
قوله " وعليكم السكينة والوقار ":
السكينة والوقار يجوز رفعهما ونصبهما أما الرفع فعلى أنهما مبتدأ مؤخر وأما النصب فعلى الإغراء أي الزموا السكينة والوقار، وقد قيل إن السكينة والوقار لفظان مترادفان وذهب بعض أهل العلم إلى التفريق بينهما.
قوله " ولا تسرعوا":
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمشي وأمر بالسكينة والوقار ونهى عن الإسراع كل هذه الصيغ مؤكدة إلى أن الجري عند سماع الإقامة محرم يأثم فاعله سواء خشي فوات الركعة أو فوات الجماعة أو لم يخش فلا عذر للمرء بالإسراع فإن كان حريصاً على إدراك الركعة أو ادراك الجماعة فعليه بالتقدم الى الصلاة مبكراً وقد قال بعض أهل العلم يستثنى جواز الإسراع في يوم الجمعة وهذا الإستثناء لا دليل عليه ولا وجه له والحق أن الإسراع منهي عنه مطلقاً في الجمعة وغيرها والحديث عام صريح في النهي فلا وجه لمن خصصه.
قوله " فما أدركتم فصلوا":
احتج بهذا فقهاء الحنابلة والأحناف وجماعة من أهل العلم على مشروعية الدخول مع الإمام ولو لم يدرك إلا قليلاً من الصلاة واحتج فيه بعضهم على إدراك الجماعة بأقل من ركعة وأما احتجاجهم بهذا الحديث على الدخول مع الإمام ولو أدرك أقل من ركعة فهذا ظاهر الخبر.
إلا أنه لو قيل بالتفصيل لكان أوجه فإن كان يعلم أنه لو انتظر وجد جماعة يصلي معهم فانتظاره أولى خصوصاً في بعض المساجد التي يطرقها كثير من الناس وأما كان يعلم أن هذا المسجد لا يطرقه أحد فدخوله مع الإمام أولى أخذاً بظاهر الخبر.
وأما احتجاجهم بهذا الحديث على إدراك الجماعة بأقل من ركعة فلا دليل في الخبر على ما ذكروه والحق أن الجماعة كالوقت لا يدركان بأقل من الركوع وعلى هذا دلت الأخبار الصحاح.
ففي الصحيحين وغيرهما من حديث مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " فهذا الحديث صريح من كون الجماعة لا تدرك بأقل من ركعة، وهذا عام في سائر الصلوات الجمعة وغيرها،والعجيب أن أبا حنيفة رحمه الله وجمعاً من فقهاء الحنابلة يقولون أن الصلاة تدرك بأقل من ركعة إلا أنهم يستثنون الجمعة وهذا التخصيص لا دليل عليه والحق لو أننا قلنا في ادراك الجماعة بأقل من ركعة لقلنا بالعموم.
إلا أن الدليل دل على أن الجماعة لا تدرك بأقل من ركعة وهذا عام في الجمعة وغيرها ولهذا ذهب عامة العلماء الى أن من لم يدرك ركعة من الجمعة يصلي أربعاً وهذا هو الحق إلا ما يذكر عن الظاهرية وقول للأحناف إذا أدرك ما قبل السلام.
قوله " وما فاتكم فأتموا " وفي رواية " فاقضوا ":
وهاتان اللفظتان مترادفتان وظاهر هذه الرواية أن ما يدركه المصلي مع الإمام هو أول صلاته وهذا الصحيح، فما يدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاته يستفتح ويقرأ فاتحة الكتاب وسورة إن أمكنه ذلك.
وقال بعض أهل العلم ما يدركه المأموم مع الإمام هو آخر صلاته فعلى القول الراجح إذا أدرك ركعتين مع الإمام فيقتصر على فاتحة الكتاب في الأخيرتين حين القضاء، وعلى القول الثاني يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أو آية استحباباً أو وجوباً عند من يرى الوجوب.
412 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ r { صَلَاةُ اَلرَّجُلِ مَعَ اَلرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ, وَصَلَاتُهُ مَعَ اَلرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ اَلرَّجُلِ, وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ U } رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان َ ().
(الشرح):
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل ".
¥