وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن الجسور في حدود سنة 400 هـ وهي السنة التي يتأهل فيها الطالب لأخذ العلم بعد حفظه للقرآن وتأدبه.
قال جدي، سلمه الله تعالى: >> فتكون السن التي ابتدأ فيها ابن حزم دراسة الحديث والفقه هي عمر الغلام اليافع: سن الخامسة عشرة ? وأين هذا من عمر رجل في الثامنة والعشرين؟ وإن بين السنين والعمرين لمفاوز تتيه فيها القطا، ويعيش فيها جيل ? >>.
قلت: وإنما ذكرت هذا ردّاً على من زعم أنه ما طلب العلم إلا عن كبر لقصة ذكروها في ذلك ليس هذا مجال إيرادها.
وقال العلامة أبو زهرة، رحمه الله تعالى، بعد كلام عن طلب ابن حزم للعلم: >. وأطال الكلام، رحمه الله تعالى، في توجيه مسألة بداية طلب ابن حزم للعلم بما لم يسبق إليه.
هذا، وقد أوذي ابن حزم بسببين: سياسي وعلمي.
فأما السياسي فلمناصرته للدولة الأموية المروانية بالأندلس وتأييده لشرعيتها بالأدلة الشرعية، فنقم عليه ملوك الفتنة والطوائف وانتقل من سجن لآخر في محن طويلة ذكر هو نفسه طرفاً منها في "طوق الحمامة".
وأمّا العلمي فلمخالفته لفقهاء المالكية المقلِّدين، وتشنيعه عليهم وتشدده في ذلك، بل بلغ به الحال في ذمِّه للتقليد الذي كان قد انتشر في زمانه انتشاراً كبيراً أن عنف على المتقدمين والمعاصرين.
قال الذهبي: >.
واتهم ابن حزم أعداؤه بأنه لم يتأدب على المشايخ ولم يأخذ العلم على أهله، وبأنه كان به مرض عصبي. وكل ذلك من تعصبهم عليه، ولعمر الله أي تربية وتأديب خير من تأديب النساء الناعمات إلى عمر البلوغ، ثم إنه معروف أنه كان لابن حزم شيخ مؤدب يدعى الفارسي.
هذا ناهيك عن مشيخته الذين روى عنهم وتفقه على يدهم كل واحد منهم إمام في العلم والعمل.
قال رحمه الله تعالى:
قالوا تحفَّظْ فإن الناس قد كثُرت أقوالهم، وأقاويل الورى مِحنُ
فقلت: هل عيبهم لي غير أنّيَ لا أقول بالرأي إذ في رأيهم فتنُ
وأنني مولع بالنصِّ لست إلى سواه أنحو ولا في نصره أهِنُ
لا أنْثَني لمقاييسٍ يقال بها في الدين بل حسبيَ القرآنُ والسننُ
يا برد ذا القول في قلبي وفي كبدي ويا سروري به لو أنهم فطِنوا
دعهم يعضُّوا على صَمّ الحصى كمداً من مات مِن قوله عندي له كفنُ*
وأقول: سأناقش بحول الله تعالى عنف ابن حزم في نقد "المحلى". والله المستعان.
وإذا كان أعداء ابن حزم حُرموا معرفة حقّه وقدره، فقد عرفه المنصفون وأتباع الحق.
قال أبو حامد الغزالي، حجة الإسلام رحمه الله تعالى، .
وقال تلميذه وحامل راية مذهبه من بعده الحافظ الحميدي: >.
وقال أبو القاسم صاعد بن أحمد: >.
ووصفه الحافظ الذهبي ب>. وقال: >.
وقال اليسع الغافقي: >.
ووصفه الحافظ ابن حجر بأنه: >.
قلت: ولم يخرج ابن حزم من الأندلس، ولو خرج لكان له أمر آخر، قال رحمه الله:
أنا الشمس في جو العلوم منيرةٌ لكنَّ عيبي أن مطلعيَ الغربُ
ولو أنني من جانب الشرق طالعٌ لجدّ علي ما ضاع من ذكرىَ النهْبُ
ولي نحوَ أكناف العراق صَبابةٌ ولا غروَ أن يستوحش الكَلِفُ الصبُّ
فإن نزَّلَ الرحمن رحليَ بينهم فحينئذ يبدو التأسف والكَرْبُ
¥