هذا هو مفهوم (الثابت والمتحول) وهذا يرمي إلى زعزعة فكرة النموذج أو الأصل، أي أن الكمال لم يعد موجوداً خارج التاريخ، وأصبح الكمال - بمعنى آخر - كامنًا في حركة الإبداع المستمرة.
هذه المحاولة كاذبة ومضللة ومحكوم عليها بالسقوط لأنها لا تقوم على أساس من الفطرة أو العلم أو الحق أو المنطق، وإنما هي نوع من التمويه الكاذب والخداع المضلل، لأن كل هؤلاء الذين اعتمد عليهم مفهوم الحداثة من رموز قديمة قد سقطوا فعلاً وداستهم الأقدام، ولم يدخلوا التاريخ إلا في باب الشعوبيين والباطنيين وأعداء الإنسانية، ولقد هزموا فكرياً في عصرهم وذهب كل ما قالوه من أكاذيب وادعاءات، حتى جاء الاستشراق والغزو الفكري ليعيدهم إلى الحياة مرة أخرى.
وهي محاولة محكوم عليها بالانتهاء والدمار، كالمحاولات الأخرى التي سبقتها، ولن تجدي هؤلاء الدعاة الجدد نفعاً لأنها لا تقوم عندهم من منطلق أمين أو من منطلق غيرة على هذه الأمة أو رغبة في السمو بها ولكن من منطلق حقد وكراهية وهزيمة والمهزوم يعمل دائماً على كسب المهزومين إلى صفة ليحس بأنه ليس منبوذاً، ولقد كان دعاة الشعوبية والباطنية مهزومين منعزلين، شأنهم شأن أبي نواس وبشار في القديم حيث كان يتحاشاهم الناس، وإذا كان قد أتيح لهم عن طريق " أحد غلمان التعريب والشعوبية " أن يذيع لهم فكرهم على هذا النطاق الواسع فإنها ليست إلا صيحة مضللة قد أغمدت الأقلام الإسلامية فيها خناجرها.
إن (دعاة الحداثة) هؤلاء إنما يدعون إلى توهين السلطة المطلقة - وهي الدين - والنيل من السيد الأعظم (الله تبارك وتعالى، علا وجل عن كلماتهم المسمومة) ولن يتحقق يوماً أن تغلب الفئة الباطلة على النظام الرباني القائم في حكمه وقواعده وأي أصل من أصوله مهما تجمع لهذا دعاة الشعوبية والباطنية. ويرمي أدونيس إلى إلغاء كل قديم باعتبار أنه لاشيء في الوجود اسمه قديم ويهدف من ذلك الغاء فهمنا للقرآن الكريم وأنه كلام الله القديم.
والحرية عند الحداثيين هي التحلل من كل قيد ديني أو اجتماعي أو نظامي أو قانوني. وهم عندما يسمون الحداثة (الثورة المتجهة لتجاوز السلفية) يقصدون تجاوز قيم الدين والأخلاق، وحين يدعون إلى حرية اللغة يقصدون الخروج باللغة عن سياقها ومضمونها وتحررها من إطارها التاريخي والبلاغي المرتبط بالبيان العربي والقرآن الكريم.
ويؤرخ أدونيس للحداثة بالدعوات التي خرجت على الإسلام (المختار الثقفي والزنج والقرامطة)، ويرى أنها قامت بالتحرر من الثبات، وكذلك دعوات الزنادقة (في الشعر) من الثبات، والإباحية ودعاة وحدة الوجود والحلول والاشراق.
وبالجملة فإن الحداثة (أيدلوجية مناهضة) للإسلام الدين الحق والأخلاق وهي تقوم على الغموض في فهم النص، وتفسيره تفسيراً مختلفاً (لأن الشاعر ليس مطلوباً منه أن يفهم ما يكتبه) ودعواهم الباطلة أنهم يتشبهون بتعابير القرآن متناسين أن لمفسر القرآن شروطاً لا بد أن تتوفر فيه.
وهم حين ينكرون العمودية في الشعر أو ينكرون التقييد بالوزن والقافية إنما ينطلقون من مفهوم الحداثة القائم على التمرد والثورة على كل قيد عقدي أو فني " كما تمرد أبو نواس وصوفية وحدة الوجود والحلاج ونظرية الحاكم بأمر الله ".
وقد استعمل الحداثيون نفس الألفاظ التي استعملها الباطنية سواء في الغرب (نيتشه وفرويد) أو في الشرق (الباطنية والحلوليين).
ويرد أدونيس مفاهيمه إلى أصولها:
(السريالية قادتني إلى الصوفية وتأثرت بها أولاً ولكني اكتشفت أنها موجودة بشكل طبيعي في التصوف العربي (يقصد التصوف الفلسفي) وتأثرت بالماركسية ونيتشه من حيث القول بفكرة التجاوز والتخطي وتأثرت أيضا بأبي تمام وأبي نواس من حيث فهم اللغة، ولم تكن تورة المختار الثقفى والثورات القرمطية وثورة الزنج إلا توكيداً للقاعدة المادية (الأرض - الاقتصاد - علاقات الإنتاج) ومن هنا نعرف أن حداثة أدونيس هي تلفيق من فكر الباطنية والملاحدة والإباحينن في الشرق والغرب وأنها تستهدف (ثوابت الإسلام) والإيمان بالغيب وتقوم على أسس ثلاثة:
1 - عدم الانتماء لأي قيم أو منهج.
2 - التمرد على كل الثوابت وفي مقدمتها الدين والأخلاق.
3 - استعمال قواعد اللغة استعمالاً مغلوطاً.
¥