تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - بناء الصور الشعرية على أنقاض الأساطير القديمة.

مصطلح المطلق

وأخطر ما يركز عليه دعاة الباطنية الحديثة (الحداثة) هو ما يسمونه (المطلق) وهو الله تبارك وتعالى. وما من واحد من هؤلاء إلا وله في هذا المجال شعر رديء مليء بالإلحاد والفجور والله تبارك وتعالى أعلى وأجل عما يقولون. وهذا يكشف عن أن الهدف الحقيقي هو الثورة على العقيدة والألوهية والجذور الأصيلة للتكوين الاجتماعي وعلى كل ماهو متعارف ومقعد ومنظم ومتقن حتى القواعد اللغوية.

ومهاجمة النص المقدس عملية واضحة وأساسية في دعوتهم:

يقول كمال أبو ديب: (من الدال جداً على أن النص المقدس في جميع الثقافات التي نعرفها هو نص قديم فليس هناك من نص مقدس حديث والحداثة بهذا المعنى هي ظاهرة اللا قداسة).

وهو يقصد بالنص المقدس القرآن والأحاديث النبوية وكل كتاب ديني تقدسه الأديان، ويقول: (لأنه لا سبيل لأن يكون الأدب حديثاً إلا إذا رفض كل نص مقدس وأصبح نقيضاً لكل ما هو مقدس حتى العبادة).

فالدعوة إلى تدمير القداسة. هي هدف أساسي في دعوة الحداثة، وهي لاتقف عند ذلك بل تدعو إلى مقارفة الخطيئة بدعوى رفض كل قيد على الحرية الإنسانية، ومن دعواهم إلغاء الخطيئة وبكارة الإنسان وإحراق التراث. وإلغاء الخطيئة يعني أنه لا خطيئة في الحياة (الزنى، الربا، السرقة، العقوق .. إلخ) فيقولون: كلمة الخطيئة: يجب أن تشطب من قواميس اللغات.

والدعوة إلى العصيان المعلن قاعدة أخرى، متمثلين بقول (أبي نواس):

فإن قالوا حرامٌ قل حرامٌ .. ولكن اللذاذة في الحرامِ.

وقد أعلن أدونيس في كتابه (الثابت والمتحول) أنه يرمي إلى تحول يزلزل القيم الموروثة من دينية واجتماعية وأخلاقية، تحول في الثقافة التي يبثها الإسلام بقيمه الدينية، ونحن نقول له هيهات فقد كان غيرك من الزنادقة أقدر، والمعروف أن الأب بولس نويا اليسوعي هو الذي قدم منهجه ووصفه بأنه (شاعر التحول المستمر).

وقد ركز على عبارة أدونيس (نفسي تجردت من الماضي وقيمه كلها بما فيها القيم الدينية والخلقية). وعلق الأب بولس على ذلك فقال: " لقد انتهيت إلى نتيجة هي أن الرؤيا الدينية هي السبيل الأصلي في تغلب المنحى الثبوتي على المنحى التحولي في الشعر، إن النظام الشامل الذي خلفه الدين (يقصد الإسلام)، كان هو العامل الأساسي الذي جعل المجتمع العربي في القرون الثلاثة الأولى يفضل القديم على الحديث بحيث إنه وضع القديم في مجال الكمال واعتبر كل جديد خروجاً على المثال الكامل ".

وهكذا نرى كيف تتضافر قوى كثيرة على تأييد هذا المذهب وتشوه صفحات التاريخ الإسلامي، وترى أن ثلة من الزنادقة ظهروا في القرن الثالث وداستهم الأقدام، كانوا عوامل تجديد وحداثة كاذبة بدعوى أنهم تجاوزوا الثوابت واجترؤوا على الحقائق الإسلامية.

وهكذا كانت دعوة الحداثة: التحول هو المنطلق: وإن التجرد من كل الموروثات التي نمت مع نمو تاريخنا الإسلامي هو أساس المواجهة، ومن العجيب أن أدونيس وثلته كانوا من المتجردين من موروثاتهم وأوساطهم وأسرهم وعقائدهم التي نشؤوا عليها وتنكروا لما غذتهم به أمهاتهم وآباؤهم من إيمان. وهكذا يدعو هؤلاء الخارجون على أمتهم، يدعون الناس إلى خروج مثل خروجهم. إن هؤلاء ينكرون مفهوم الإسلام الجامع بين (الثوابت والمتغيرات) ويلجؤون إلى مفهوم الغرب الذي كان يؤمن بالثوابت وحدها، وقد دفع هذا بعض المفكرين إلى تحطيم الثبات، بالدعوة إلى (التغيير المطلق) ولكن هذه الدعوة لا تصلح في أفق الفكر الإسلامي لأنه لا حاجة له بها، (لما جاء الإسلام أرسى قواعد الثبات ونظم وسائل التحول والتغيير والتطور من داخل الثوابت الأساسية القائمة على الخلق والمسؤولية الفردية والإيمان بالبعث والجزاء ومن هنا وقف الإسلام أمام كل دعوة باطلة ترمي تحت اسم التحول إلى القضاء على الثوابت أو هزها أو النيل منها).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير