وأما ما جاء بموجب القرائن كأن يكون اللفظ محتملاً لمعان متعددة ولكنه ورد من الشارع ما يعين أحد معانيه وينفي غيره مثل قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) البخاري , فالنهي حقيقة في التحريم والأمر في الوجوب عند الجمهور ويحتملان غيرهما ولكن الوعيد دل على أنهما على الحقيقة في الحديث المذكور، فصار الحديث بذلك نصاً في مسألة الباب.
س95) ما حكم العمل بالنص؟
اعلم وفقك الله لمعرفة الحق أنه:يجب العمل به، ولا يعدل عنه إلا بدليل يصرفه عن ظاهره من تخصيص أو تقييد أو تأويل.
الدرس التاسع النسخ
س96) عرف النسخ؟
اعلم يرعاك الله أن: النسخ لغة الإزالة والنقل.
واصطلاحاً: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة.
الشرح:
1) المراد بقولنا رفع حكم: أي تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة إلى تحريم مثلاً، فخرج بذلك تخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع، مثل أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب أو وجوب الصلاة لوجود الحيض، فلا يسمى ذلك نسخاً.
2) والمراد بقولنا أو لفظه: لفظ الدليل الشرعي , لأن النسخ إما أن يكون للحكم دون اللفظ، أو بالعكس، أو لهما جميعاً كما سيأتي.
3) وخرج بقولنا بدليل من الكتاب والسنة: ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس، فلا ينسخ بهما.
س97) ما الدليل على جواز النسخ؟
اعلم وفقك الله أن: النسخ جائز عقلاً وواقع شرعاً.
أما جوازه عقلاً فلأن الله بيده الأمر وله الحكم لأنه الرب المالك، فله أن يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته ورحمته، وهل يمنع العقل أن يأمر المالك مملوكه بما أراد؟! ثم إن مقتضى حكمة الله ورحمته بعبادة أن يشرع لهم ما يعلم تعالى أن فيه قيام مصالح دينهم ودنياهم، والمصالح تختلف بحسب الأحوال والأزمان، فقد يكون الحكم في وقت أو حال أصلح للعباد ويكون غيره في وقت أو حال أخرى أصلح، والله عليم حكيم.
وأما وقوعه شرعاً فلأدلة، منها:
1 - قوله تعالى (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة106.
2 - قوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ) الأنفال66 , و قوله تعالى (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) البقرة187 فإن هذا النص في تغيير الحكم السابق.
3 - قوله صلى الله عليه وسلم (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها) فهذا نص في نسخ النهي عن زيارة القبور.
س98) ما الذي يمتنع نسخه؟
اعلم وفقك الله أن: الذي يمتنع نسخة:
1 - الأخبار: لأن النسخ محله الحكم، ولأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذباً، والكذب مستحيل في أخبار الله ورسوله.
اللهم إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر فلا يمتنع نسخه، كقوله تعالى (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) الأنفال65، فإن هذا خبر معناه الأمر، ولذا جاء نسخه في الآية التي بعدها وهي قوله تعالى (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ) الأنفال66.
2 - الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان: كالتوحيد وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف والكرم والشجاعة ونحو ذلك، فلا يمكن نسخ الأمر بها، وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان، كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك , إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.
س99) ما هي شروط النسخ؟
اعلم وفقك الله ورعاك أنه: يشترط للنسخ فيما يمكن نسخه شروط، منها:
1 - تعذر الجمع بين الدليلين: فإن أمكن الجمع فلا نسخ لإمكان العمل بكل منهما.
2 - العلم بتأخر الناسخ: ويعلم ذلك إما بالنص أو بخبر الصحابي أو بالتاريخ.
مثال ما علم تأخره بالنص قوله صلى الله عليه وسلم (كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة).
¥