ز ـ ينخدع بعض المتفقهين [المستفيدين بخاصة] في هذا العصر باصطلاح (الملكية الأدبية والفنية) واصطلاح (حق المؤلف) فيحاولون تخريج هذا الحق القانوني على أحد الحقوق المقررة في الفقه الشرعي [كما يفعل المتحايلون على الربا بالبيع والشراء الصوري، وعلى الطلاق البائن التيس المستعار] دون اعتبار للفرق بين الفكر المجرد وبين المادة المحسوسة (فالمادة تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها والاستئثار بها، أما الفكر فيؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار) الوسيط 8/ 278.
ح ـ لعلّ هذا يفسر عدم تقيّد التقنين المصري [القدوة للقوانين العربية] بأحكام الشريعة؛ يقول مؤلِّف هذا التقنين وشارحه: (والسّبب في أن المشرِّع قرر هذا الحكم دون أن يتقيد فيه بأحكام الشرع الإسلامي أن حق المؤلف في الاستغلال المالي لمصنفاته هو حق معنوي يقع على شيء غير مادي، فهو إذن ليس من قبيل [الحقوق] التي تقع على الأشياء المادية والتي يَنْظُر إليها الشرع وحدها في تقرير أحكام الميراث والوصية) الوسيط 8/ 297.
ط ـ وبعد هذا: هل يسري نظام حق المؤلِّف المالي على المؤلفات الشرعية عامة؟.
لقد أشرنا من قبل إلى أن القانون العربي هو الذي ابتدع الحق المالي للمؤلف، وهو الذي يبقيه أو يلغيه أو يعدله أو يبدله، وهو الذي يحدد نطاقه سواء في الزمان أو المكان أو نوع المؤلَّف أو نوع الانتفاع به، وأن غاية هذا الحق الممنوح بالقانون [لا بالشرع]: منح المؤلِّف سلطة احتكار استغلال مؤلَّفه مدة محدودة [لا ملكية مؤبدة]. ونضيف الآن ما يلي:
1 ـ أن النظام السعودي ـ مثلاً ـ حينما عدد في المادة (3) المصنفات المشمولة بالحماية أَسْقَطَ ـ عَمْداً ـ بعض المصنفات التي نصت عليها القوانين التي نقل منها مثل المسرحيات والمصنفات الموسيقية والغنائية ومصنفات تصميم الرقص والتمثيل الإيمائي ونحوهما مراعاة للبيئة التي ينفذ فيها، وهذا يعني أنه عند تفسير أو تنفيذ هذا النظام لا بدّ أن يؤخذ في الاعتبار ملاءمة ذلك [للبلاد والدولة التي أسِّسَتْ من أول يوم على منهاج النبوة في الدين والدعوه].
2 ـ عندما ذَكر هذا النظام ـ ضمن المصنفات المحمية ـ المواعظ؛ أَسْقَط ـ عَمْداً ـ وَصْفها بالدنية كما هي في النص المقتبس منه إذ لم يستسغ شمول المواعظ الدينية بالحماية [في البلد الوحيد الذي أُسِّس من أول يوم على تحكيم شرع الله والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة].
3 ـ وبما أن شريعة الله حاكمة على النظم التي تصدر في المملكة العربية السعودية؛ فإنه يجب تفسير النظم الصاردة فيها بما يتفق مع الشريعة (نصوصها وقواعدها ومقاصدها) لا بما يتفق مع قوانين البشر الأجنبية عنها.
4 ـ أن من المؤلفات ما ليس له حق أصلاً ولا يحميها النظام بل تثنيها من الحماية بالنص مثل ما نصّت عليه المادة (6) ك (لا تشمل الحماية المقررة بمقتضى هذا النظام: الأنظمة والأحكام القضائية، وقرارات الهيئات الإدارية والاتفاقات الدولية وسائر الوثائق الرسمية) الخ.
وبموجب هذا النص ليس للمؤلِّف حقٌّ ماليٌّ في مؤلفات الأحكام الشرعية، ولا قرارات هيئة كبار العلماء، ولا فتاوى اللجنة الدائمة،ولا فتاوى المفتين الرسميين، ولا تشملها الحماية وليس لأحد حق احتكارها. بل إن القوانين الدولية تتفق مع هذا النص: (هناك مصنفات يقوم بها موظفوا الدولة بحكم وظائفهم كمشروعات القانون .. وكالأحكام القضائية وكالتقارير الاقتصادية والمالية والعلمية والتعليمية والإحصاءات .. فهذه كلها تقع في الملك العام ولا يكون للدولة ولا لمن وضعوها ولا لأي أحدٍ آخر حق المؤلِّف عليها) الوسيط 8/ 330 (فهذه الوثائق هي حق شائع للجميع، إذ يراد بها أن تكون في متناول كل فرد) الوسيط 8/ 303.
ي ـ وهل يحمي هذا النظام المؤلفات الشرعية غير المنصوص عليها في المادة (6) باستثنائها من الحماية؟.
للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من اصطحاب المعاني التالية:
¥