تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولعله مما يقرب هذا المعنى أن نداء " التحول المعرفى " () عن الطفولة الفكرية والقيم الجاهلية إلى النضج المعرفى والسلوك المستقيم لم يخص الله به المسلمين، وإنما خاطب به البشر أجمعين، ومن المثير للانتباه أن يحظى الوحى المكى بأكثر نداءات " التذكر " وفضائل " الذكر " ()، بل إن الوعد بالحفظ من آى القرآن المكى، وقد أتبعه الله بما يقوى فهمنا، قال سبحانه فى سورة الحجر " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. ولقد أرسلنا من قبلك فى شيع الأولين. وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون. كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين. لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين " ().

وفى معنى قوله تعالى " كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين " قال الفخر الرازى " التأويل الصحيح أن الضمير فى قوله تعالى " كذلك نسلكه " عائد إلى الذكر الذى هو القرآن ……… والمراد من هذا السلك هو أنه تعالى يسمعهم هذا القرآن، ويخلق فى قلوبهم حفظ هذا القرآن ويخلق فيهم العلم بمعانيه، وبين أنهم لجهلهم وإصرارهم لا يؤمنون به مع هذه الأحوال عنادا وجهلا، فكان هذا موجبا للحوق الذم الشديد بهم " ()

ومن هنا فإننى كلما توقفت أمام نظرية قانونية ناضجة ساءلت نفسى: هل يعقل أن تكون هذه من ثمرات الفكر؟ وإن كانت فما بذرتها الأولى؟ وكيف يفسر التقارب بل التطابق بين محتواها ومرماها ومحتوى وغرض الأصول والقواعد الشرعية التى نعرفها؟ وهل يمكن أن يكون مجرد الانتفاع بأدوات النظر موصلا إلى القيم الموحى بها؟ فإن كان فلم هوجمت على مر التاريخ الإسلامى نظرية المعتزلة فى الحسن والقبح العقليين ()؟.

وإن لم يكن فما الذى منع المرابطين من نصحاء العصر أن يقولوا صراحة إن الناضج من الأحكام القانونية الغربية لا يغادر كونه بضاعتنا ردت إلينا؟.

للإنصاف والأمانة فإن قلة من الباحثين المسلمين وغير المسلمين قالوها صريحة مدوية، وأقاموا الدليل على ذلك، ولعل ما منع الكثرة التصريح أمران:

أولهما: خلق الإسلام الذى ينهى المسلم أن يقفو ما ليس له به علم، وأن يشهد بما لم يعاين، وقد كان الغرب داهية فى التكتم على أثر نقله المباشر الصريح، فلم يكتف بإخفائه، وإعادة صياغته، وإنما اختلق لثورته القانونية رجالا ومصادر نسب إليها نهضته.

والثانى: حرصهم الشديد على القضاء على دابر المستعمر وبقاياه، ونظرا لما فى القوانين المستوردة من مخالفات فجة للشريعة الإسلامية فى كثير من الأحكام فإنهم حرصوا على إبراز الحقائق الإسلامية من منابعها الصافية، وغضوا الطرف عن ترحالها إلى الآخر حتى لا يقبل البعض على العائد وقد لوثته يد المتجرئ على الله ثم على العدل، ولهم فى رسول الله أسوة وقدوة، قال ? " يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ، وكتابكم الذى أنزل الله على نبيكم ? أحدث الأخبار بالله، محضا لم يشب؟ () أى لم يخالطه غيره.

وقد عنف ? عمر ? إذ أتى بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه النبى ? فغضب فقال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذى نفسى بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ……. " ومعنى " أمتهوكون " أمتحيرون فى كتابكم ودينكم حتى تأخذوا العلم من غير كتابكم ونبيكم كما فعلت اليهود والنصارى؟ ()

ولست أنشد علم الغرب فيما هو منصوص عليه () ولا نملك من جانب آخر أن ننكر أن الغرب انتهى إلى أنساق قانونية بعضها آية فى الرقى والتحضر، وقد بهرت الكثيرين من رجال الشرق والغرب، وكثيرا ما صرفهم الانبهار عن النظر فى الشريعة الإسلامية، بل أحيانا كانوا حجر عثرة يعوق الأمة عن أن تبلغ حلمها فى الاحتكام الصريح والتام إلى روحها القانونية، شريعة الله التامة.

وقد لاحظت - مع غيرى - أن الكثرة من رجال القانون لا يصرفون من جهدهم شيئا لدراسة الشريعة الإسلامية إلا فى مراحل متأخرة من عطائهم " بعد أن تكون أخصب سنى إنتاجهم العلمى قد أنفقت فى دراسة النظم القانونية الأخرى، ويؤثر ذلك بلا شك على عمق عطائهم فى هذا الجانب وحجمه، وعلى مدى تأثيره فى الدراسات القانونية بوجه خاص، وفى مهنة القانون بوجه عام" ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير