تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عباس وترجمة أبي هريرة.

وإقدام أبي حنيفة كان من الضرب المحمود، وقد روى الخطيب نفسه ... الحكايتين اللتين ذكرهما الاستاذ في (التأنيب) فهذا وغيره يدل على بعد أبي حنيفة عن الجرأة المذمومة فأما إذا علمنا أن ابن عيينة كان يطيب الثناء على أبي حنيفة فإن ذلك يرشدنا إلى حمل تلك المقالة على معنى آخر أدنى إلى الصواب، مع مافيه من الحكمة البالغة التي تهدينا إلى باب عظيم النفع في فهم ماينقل عن أهل العلم من كلام بعضهم في بعض.

وحاصله أن أكثر الناس مُغرون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك، حتى إذا قيل لهم: إنه غير معصوم عن الخطأ والدليل قائم على خلاف قوله في كذا فدل ذلك على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ماأخطأ فيه، قالوا: هو أعلم منكم بالدليل، وأنتم أولى بالخطأ منه فالظاهر أنه قد عرف مايدفع دليلكم هذا، فان زاد المنكرون فأظهروا حسن الثناء على ذلك المتبوع كان أشد لغلو متبعيه، خطب عمار بن ياسر في أهل العراق قبل وقعة الجمل ليكفهم عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة فقال:" والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي " أخرجه البخاري في (الصحيح) من طريق أبي مريم الأسدي عن عمار، وأخرج نحوه من طريق أبي وائل عن عمار فلم يؤثر هذا في كثير من الناس بل روي أن بعضهم أجاب قائلاً "فنحن مع من شهدت له بالجنة ياعمار".

فهذا كان من أهل العلم والفضل من إذا رأى جماعة اتبعوا بعض الأفاضل في أمر يرى أنه ليس لهم اتباعه فيه إما لأن حالهم غير حاله وإما لأنه يراه أخطأ ـ أطلق كلمات يظهر منها الغض من ذاك الفاضل لكي يكف الناس عن الغلو فيه الحامل لهم على اتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه، فمن هذا مافي (المستدرك) (2ص329) " ... عن خيثمة قال:" كان سعد بن أبي وقاص ري الله عنه في نفر فذكروا علياً فشتموه فقال سعد: مهلاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... فقال بعضهم: فو الله انه كان يبغضك وسميك الأخنس، فضحك سعد حتى استعلاه الضحك ثم قال: أليس قد يجد المرء على أخيه في الأمر يكون بينه وبينه ثم لا تبلغ ذلك أمانته .. " قال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " وأقره الذهبي.

وفي الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه قال:" ماسمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه إلا لسعد بن مالك (هو سعد بن أبي وقاص) فاني سمعته يقول يوم أحد: ياسعد ارمِ فداك أبي وأمي".

وتروى عن علي كلمات أخرى من ذا وذاك وكان سعد قد قعد عن قتال البغاة فكان علي إذا كان في جماعة يخشى أن يتبعوا سعداً في القعود ربما أطلق غير كاذب كلمات توهم الغض من سعد، وإذا كان مع من لا يخشى منه القعود فذكر سعداً ذكر فضله. ومنه مايقع في كلام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكاً من إطلاق كلمات فيها غ ض من مالك مع ماعرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك، وقد روى حرملة عن الشافعي أنه قال:" مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين " كما يأتي في ترجمة مالك إن شاء الله تعالى.

ومنه ماتراه في كلام مسلم في مقدمة صحيحه مما يظهر منه الغض الشديد من مخالفه في مسئلة اشتراط العلم باللقاء، والمخالف هو البخاري، وقد عرف عن مسلم تبجيله للبخاري.

وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات جدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد.

وفي ترجمة الحسن بنصالح بن حي من (تهذيب التهذيب) كلماتٌ قاسية أطلقها بعض الأئمة فيه مع ماعرف من فضله، وفيها " قال أبو صالح الفراء: ذكرت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه يعني الحسن (بن صالح) بن حي ـ فقلت ليوسف أما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ قال: لم ياأحمق؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم ".

أقول: والأئمة غير معصومين من الخطأ والغلط، وهم إن شاء الله تعالى معذورون مأجورون فيما أخطأوا فيه كما هو الشأن فيمن أخطأ بعد بذل الوسع في تحري الحق، لكن لا سبيل إلى القطع بأنه لم يقع منهم في بعض الفروع تقصير يؤاخذون عليه، أو تقصير في زجر اتباعهم عن الغلو في تقليدهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير