تتمة رائعة جداً في موضوع الإنصاف .. (تطبيق)
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[25 - 09 - 03, 12:23 ص]ـ
أقدم لروّاد ملتقانا المبارك هذه النقول الرائعة في موضوع الإنصاف، وهذه النقول غالبها من إمام واحد اهتم بهذا الموضوع اهتماما بالغا وكرره في أكثر من موطن!!
ولم أتصرف في كلامه بزيادة ولا نقص، بل ولم أعلق عليه بشي لأنه أبلغ من كل تعليق، سوى أني وضعتُ عناوين بين قوسين، بين كل فقرتين مما نقلتُ ...
ولعل من المفيد في هذا النقل التنبيه على مكانة هذا الكتاب الفذ خاصة لمن يريد تكوين ملكة النقد الهادف المبني على الإنصاف والعلم والعدل، في نظري القاصر هذه الثلاث هي مقومات النقد الهادف، وهي واضحة وضوحا بيناً في النقول الآتية ....
[رابط الموضوع السابق: http://www.saaid.net/Minute/m81.htm ]
أترككم الآن تتلذذون وتتمتعون روحياً وعقلياً مع هذه النقول الرائعة
دمتم بخير.
(سبب التحاسد)
يقول القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في تقدمة كتابه (الوساطة ص: 1ـ4، و414): التفاضل – أطال الله بقاءك- داعيةُ التنافس، والتنافس سببُ التحاسد؛ وأهل النقص رجُلان: رجل أتاه التقصير من قِبَله، وقعد به عن الكمال اختيارُه، فهو يساهم الفضلاء بطَبْعه، ويحنو على الفضل بقدر سَهْمِه؛ وآخر رأى النقص ممتزجاً بخلقته، ومؤثَّلا في تركيب فِطْرته، فاستشْعَر اليأس من زواله، وقصُرَتْ به الهمة عن انتقاله؛ فلجأ إلى حَسَد الأفاضل، واستغاث بانتقاص الأماثل؛ يرى أن أبلغَ الأمور في جبْر نقيصته، وسَتْرِ ما كشفه العجْزُ عن عورته اجتذابُهم إلى مُشاركته، ووسْمُهم بمثل سمته وقد قيل:
وإذَا أَرَادَ الله نشْرَ فضِيلََةٍ .. ... .. طُويتْ أَتَاحَ لها لسان حسودِ
صدق والله وأحسن! كم من فضيلة لو لم تَسْتَثِرْهَا المحاسد لم تبرحْ في الصدور كامنة، ومنْقبةٍ لو لم تُزْعِجْها المنافسةُ لبقيت على حالها ساكنة! لكنها برزتْ فتناولتها ألسنُ الحُسَّد تَجْلوها، وهي تظن أنها تمحوها، وتَشْهرُها وهي تحاول أن تسترها؛ حتى عَثر بها من يعرف حقها، واهتدى إليها من هو أولى بها، فظهرت على لسانه في أحسن معرِض، واكتست من فضله أزينَ ملبس؛ فعادت بعد الخمول نابهة، وبعد الذبول ناضرة، وتمكنت من برِّ والدها فنوَّهت بذكره، وقَدَرت على قضاء حقِّ صاحبها فرفعت من قَدْره {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم}.
(حرمة العلم)
ولم تزَل العلوم –أيدك الله- لأهلها أنساباً تتناصر بها، والآدابُ لأبنائها أرحاماً تتواصلُ عليها، وأدنى الشِّرك في نسب جوار، وأول حقوق الجار الامتعاضُ له، والمحاماةُ دونه، وما مَنْ حفظ دمه أن يُسفك، بأولى ممَّن رعى حريمه أن يهتك ولا حرمة أولى بالعناية، وأحقُّ بالحماية، وأجدر أن يبْذُل الكريمُ دونها عِرْضه، وَيمتهن في إعزازها ماله ونفسه مِنْ حُرْمة العلم الذي هو رونق وجهه، ووقاية قدْره، ومنار اسمه، ومطية ذكره.
وبِحسَب عِظَم مزيته وعلِّو مرتبته يعظم حق التشارك فيه، وكما تجب حياطتُه، تجب حياطة المتَّصل به وبسببه، وما عقوق الوالد البَرّ، وقطيعة الأخ المشفِق، بأشنعَ ذكراً، ولا أقبح وسما من عقوق من ناسبك إلى أكرم آبائك، وشاركك في أفخر أنسابك، وقاسمك في أزين أوصافك، ومَتَّ إليك بما هو حظُّك من الشرف، وذريعتك إلى الفخر.
(ضرورة الإنصاف والعدل مع النفس فضلاً عن الناس)
وكما ليس من شرْط صِلة رحمك أن تَحِيف لها على الحق، أو تميلَ في نصرها عن القَصْد، فكذلك ليس من حُكْم مراعاة الأدب أن تعدِل لأجله عن الإنصاف، أو تخرج في بابه إلى الإسراف، بل تتصرَّف على حكم العدل كيف صَرَفك، وتقفُ على رَسْمه كيف وَقَفَك، فتنتَصِف تارة وتعتذر أخرى، وتجعل الإقرار بالحق عليك شاهداً لك إذا أنكرت، وتقيم الاستسلام للحجة – إذا قامت - محتجّا عنك إذا خالَفْت، فإنه لا حال أشدُّ استعطافاً للقلوب المنحرفة، وأكثر استمالةً للنفوس المشمئزة، من توقُّفك عند الشُّبهة إذا عَرَضتْ، واسترسالِك للحجّة إذا قهرت، والحكمِ على نفسك إذا تحققت الدعوى عليها، وتنبيهِ خصمك على مكامِن حِيَلك إذا ذهب عنها؛ ومتى عُرفْتَ بَذلك صار قولُك برهاناً مسلَّماً، ورأيك دليلا قاطعاً، واتَّهم خصمُك ما علمه وتيقنه،
¥