تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على أن الاستاذ إذا أحب أن يسلك هذه الطريق لا يضطر إلى الاعتراف بأن ابن عيينة كان يعتقد أن أبا حنيفة أخطأ في بعض مقالاته، بل يمكنه أن يقول: لعل ابن عيينة رأى أناساً قاصرين عن رتبة أبي حنيفة يتعاطون مثل ماكان يقع منه من الاكثار من الفتوى والاسراع بها غير معترفين بقصورهم اغتراراً منهم بكثرة ماجمعوا من الأحاديث والآثار فاحتاج ابن عيينة في ردعهم إلى تلك الكلمة القاطعة لشغبهم. والله أعلم.

3 ـ فصل

حاول الأستاذ في (الترحيب) التبرؤ مما نسب إليه في (الطليعة) من الكلام في أنس رضي الله عنه وفي هشام بن عروة بن الزبير وفي الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.

فأما كلامه في أنس فتراه وماعليه في (الطليعة) ص98 ـ 106 ويأتي تمامه في ترجمته إن شاء الله تعالى. وينبغي أن يعلم أن منزلة أنس رضي الله عنه عندنا غير منزلته التي يجعله الأستاذ فيها، فلسان حال الأستاذ يقول: ومن أنس؟ وماعسى أن تكون قيمة رواية أنس في مقابلة الإمام الأعظم وعقليته الجبارة، كما أشار إلى ذلك في (الترحيب) ص24 إذ قال:" وأسماء الصحابة الذين رغب الإمام عما انفردوا به من الروايات مذكورة في (المؤمل) لأبي شاملة الحافظ، وليس هذا إلا تحرياً بالغاً في المرويات يدل على عقلية أبي حنيفة الجبارة".

فزادنا مع أنس جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وإلى ماغالط به من الترجيح الذي دفعته في (الطليعة) ص105 ـ 106 التصريح بأنه يكفي في تقديم رأي أبي حنيفة على السنة أن ينفرد برواية السنة بعض أولئك الصحابة. هذا مع أن رواية أنس في الرضخ تشهد لها أربع آيات من كتاب الله عز وجل بل أكثر من ذلك كما يأتي في (الفقيهات) إن شاء الله تعالى ومعها القياس الجلي، ولا يعارض ذلك شيء إلا أن يقال: إن عقلية أبي حنيفة الجبارة كافية لأن يقدم قوله على ذلك كله، وعلى هذا فينبغي للأستاذ أن يتوب عن قوله في (التأنيب) ص139 عند كلامه على ماروي عن الشافعي من قوله: أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله عليها. قال الأستاذ هناك " ولأبي حنيفة بعض أبواب في الفقه من هذا القبيل ففي كتاب الوقف أخذ بقول شريح القاضي وجعله أصلاً ففرع عليه المسائل فأصبحت فروع هذا الباب غير مقبولة حتى ردها صاحباه، وهكذا فعل في كتاب المزارعة حيث أخذ بقول إبراهيم النخعي فجعله أصلاً ففرع عليه الفروع .. ".

إلا أن يقول الأستاذ إنّ أبا حنيفة لم يستعمل عقليته الجبارة في تلك الكتب أو الأبواب وإنما قلد فيها بعض التابعين كشريح وإبراهيم فعلى هذا يختص تقديم العقلية الجبارة بما قاله من عند نفسه، فعلى هذا نطالب الأستاذ أن يطبق مسألة القَود على هذه القاعدة.

أما نحن فلا نعتد على أبي حنيفة بقول الأستاذ ولا بحكاية أبي شاملة الشافعي الذي بينه وبين أبي حنيفة نحو خمسمائة سنة بل نقول: لعل أبا حنيفة لم يرغب عن انفراد أحد من الصحابة بل هو موافق لغيره في أن انفراد الصحابي مقبول على كل حال وإنما لم يأخذ ببعض الأحاديث لأنه لم يبلغه من وجه يثبت، أو لأنه عارضه من الأدلة الشرعية مارآه أرجح منه، وإذا كان يأخذ برأي رجل من التابعين فيجعله أصلاً لباب عظيم من أبواب الشرع كشريح في الوقف وإبراهيم في المزارعة فكيف يرغب عن سنة لتفرد بعض الصحابة بها؟ ثم راجعت (المؤمل) فرأيت عبارته تشعر بأن الكلام فيما تفرد أنس ومن معه يقوله برأيه، لا في ما كان رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فأما التحري البالغ فإن كان هو الذي يؤدي إلى قبوله ماحقه أن يقبل ورد ماحقه أن يرد فلا موضع له هنا، وإن كان هو الذي يؤدي إلى قبوله ماحقه الرد كرأي شريح في الوقف ورأي ابراهيم في المزارعة، وإلى رد ماحقه القبول كما يتفرد به بعض الصحابة ولا يعارضه من الأدلة الشرعية ماهو أقوى منه، أو كرد حديث الرضخ مع شهادة القرآن والقياس الجلي له فهذا إن وقع ممن لم يقف على الأدلة المخالفة له أو ذهل عنها وعن دلالتها، له اسم آخر لا يضر صاحبه إن شاء الله، وإن وقع ممن عرف ذلك كله فهو تجرٍّ بالجيم لا تحر بالحاء أو قل تحرٍ للباطل لا للحق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير