أما التهمة الأخيرة – فى أسطورة " ماهاوند " وهى الحجر على مناقشة أمور الدين – فهى مردودة عليهم، إذ أن الغرب لا الإسلام هو الذى حظر حرية مناقشة المسائل الدينية، ففى زمن الحملات الصليبية كانت الوحدة الفكرية غاية تتحرق أوربا شوقا إلى تحقيقها، حتى بدت من قبيل النزعة المسيطرة، وكانت أوربا تعاقب من يخرج عليها بحماس فريد فى تاريخ الدين، وكانت مطاردة رجال محاكم التفتيش للساحرات أومن بهن مس من الشيطان، وحركة اضطهاد البروتستانت والكاثوليك بعضهم البعض تقومان على آراء لاهوتية عميقة ومعقدة، وكانت اليهودية والإسلام يعتبران فى هذا الإطار من العقائد الفردية الثانوية … .. الواقع أن عصر الحملات الصليبية الذى شهد ترسيخ الصورة الخيالية ل " ماهاوند " كان عصر توتر بالغ، بلغ فيه المروق من الدين أشده فى أوربا، وما الخوف المرضى من الإسلام إلا التعبير الساطع عن تلك الظاهرة ().
وتقول " الواقع أن زيادة انتقاد الأوربيين لمجتمعهم ووعيهم بنقائصه جعلتهم يربطون بين الإسلام وبين العدو الذى يعيش بين ظهرانيهم. وهكذا كان المصلحون يوازنون بين البابوية التى تفتقر إلى الإخلاص (عدوهم اللدود) وبين الإسلام فنجد أن المصلح الإنجليزى ابن القرن الرابع عشر جون ويكليف () يرمى الإسلام فى كتاباته الأخيرة بالنقائص الكبرى التى كان يراها فى الكنيسة الغربية المعاصرة له، وهى الكبرياء والجشع والعنف، وشهوة السلطة والامتلاك " ()
وتنقل عن نورمان واينيل صاحب كتاب " العرب وأوربا فى العصر الوسيط " قوله: إن المصلحين قد دسوا فكرة الإسلام باعتبارها حالة داخلية يمكن إلصاقها بأعداء العقيدة الخالصة، وعلى هذا كانوا يقومون فى الواقع بتحويل الإسلام إلى كيان داخلى باعتباره العدو، وهو العدو الذى ظل يكمن زمنا طويلا فى المخيلة الأوربية ().
وتقول " وعلى نفس المنوال استمر العالم المسيحى فى النظر إلى النبى نظرة شائهة باعتباره صورة لنا وإن كانت أدنى وأحط شأنا" ().
حتى فى القرن التاسع عشر يقولون: القرآن لا يتضمن مبدءا واحدا من مبادئ الحضارة، ولا فرضا يسمو بأخلاق الإنسان، فالإسلام يختلف عن المسيحية فى أنه لا يحض على كراهية الطغيان، أو على حب الحرية ().
" كما هاجم المفكرون المسيحيون الإسلام على أساس أنه يمنح الوضعاء من العبيد والنساء قوة كبيرة ().
إذن هى ليست انتقاصا من الإسلام ولا هجمة عليه فى الحقيقة، وإنما هى غطاء للحرب على المرض العضال الذى كان من أوضح إفرازاته فى المجال القانونى () حتى القرن الثانى عشر الافتقار " إلى تصور عن القانون بأحكامه وأفكاره، ولم تكن هناك مدارس للقانون، ولا نصوص قانونية تتعامل مع التحقيقات القانونية، فالتشريع والإجراءات والجريمة والعقود والملكية وسائر الموضوعات التى تشكل بنية الأنساق القانونية فى الغرب لا وجود لها، ولم تكن هناك نظريات منظورة للقانون أو العلاقة بين القانون الدينى والطبيعى أو صلة الكنسى بالعلمانى، بين القانون النافذ وأحكام العرف، أو الأشكال المختلفة للقانون العلمانى، والإقطاعى والملكى والحضرى " ().
ـ[أحمد محمد أحمد بخيت]ــــــــ[30 - 11 - 06, 10:17 م]ـ
الوعى الإسلامى 3
المبحث الثانى
الثورة القانونية فى الغرب
المطلب الأول
مستهل الثورة القانونية فى الغرب
على الرغم من أن الإصلاح التشريعى لم يبد واضحا إلا بعد قيام الثورة الفرنسية 1798 إلا أن بذرة هذا الإصلاح سبقت هذا التاريخ، حيث مهدت للإصلاح السياسى والقانونى الذى واكب الثورة.
والرأى الشائع فى الفكر القانونى أن كتابات توماس هوبز (1588 – 1679) وجون لوك (1632 – 1704) ومونتسيكو (1689 – 1755) وسيزار بكاريا وغيرهم من علماء القرنين السابع عشر والثامن عشر هى التى حفزت الأذهان للثورة والإصلاح.
¥