تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد عمد " جراتيان " فى تحقيق " الإتساق بين المدونات المتنافرة " إلى هذا المنهج " محاولا التوفيق بين المتناقضات بقدر الإمكان، أو يدعها على حالها دون حل، مقدما التعميمات، وأحيانا التوفيق بين التعميمات، ولم تكشف الحالات – التى درسها – عن نشرات قانونية وأخلاقية معقدة فحسب، وإنما وجد جراتيان وآخرون أنه من الضرورى التوفيق بين القانون المقدس والقانون الطبيعى ثم العرف والعادات القومية السائدة، وبذلك أوجد جراتيان تدرجا بين المصادر القانونية، أو بالأحرى نظرية فى المصادر القانونية " ().

ولا شك أن النذر اليسير من معرفة أصول الفقه الإسلامى الذى ابتدأ تدوينه الإمام الشافعى المتوفى سنة 204 هـ ليكشف عن أساس هذه النظرية، سواء من حيث التدرج الذى يشهد له حديث معاذ بن جبل ? ()، أو التوفيق بين المتناقضات الذى تشهد له نظرية التعارض والترجيح المبسوطة فى كتب الأصول، ومن المؤلفات التى عنيت بها خصوصاً كتاب مختلف الحديث للشافعى، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة " ت 276 هـ "، شرح معانى الآثار للطحاوى " ت 321 هـ " ().

ولكم يأخذنى العجب وأنا أقارن بين مقدمة الغزالى " ت 1111 م " فى المستصفى والتى تتناول مدارك العقول وانحصارها فى الحد والبرهان – وقد أشار أنها أوجز مما ذكره فى كتابيه محك النظر، ومعيار العلم () – وفكر ومنهج أبيلار وجراتيان.

وقد لخص الغزالى قانونه فى أن " معرفة المفردات تتقدم على معرفة المركبات، وتشتمل على فنين، فن يجرى مجرى القوانين، وفن يجرى مجرى الامتحانات لتلك القوانين" () والغزالى يقول عن مقدمته " وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول، ولا من مقدماته الخاصة به، بل هى مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلا " ().

وفى شرحه لها يذكر أن:

" الإدراكات صارت محصورة فى المعرفة والعلم، أو فى التصور والتصديق، وكل علم تطرق إليه تصديق فمن ضرورته أن يتقدم عليه معرفتان، أى تصوران، فإن من لا يعرف المفرد كيف يعلم المركب … ومعرفة المفردات قسمان: أولى وهو الذى لا يطلب بالبحث .. ككثير من المحسوسات، ومطلوب: وهو الذى يدل اسمه منه على أمر جملى غير مفصل ولا مفسر فيطلب تفسيره بالحد، وكذلك العلم ينقسم إلى: أولى كالضروريات، وإلى مطلوب كالنظريات.

والمطلوب من المعرفة لا يقتنص إلا بالحد، والمطلوب من العلم الذى يتطرق إليه التصديق والتكذيب لا يقتنص إلا بالبرهان، فالبرهان والحد هما الآلة التى بها يقتنص سائر العلوم المطلوبة " ().

وفى حديثه عن البرهان يذكر: أن البرهان يقتضى سوابق ويمضى وفقا لمقاصد، لينتهى إلى لواحق. وفى تمهيده لبيان السوابق يقول " يجب ضرورة أن ننظر فى المعانى المفردة وأقسامها، ثم فى الألفاظ المفردة ووجوه دلالتها، ثم إذا فهمنا اللفظ مفردا، والمعنى مفردا ألفنا معنيين وجعلناهما مقدمة، وننظر فى حكم المقدمة وشروطها ثم نجمع مقدمتين، ونصوغ منهما برهانا، وننظر فى كيفية الصياغة الصحيحة، وكل من أراد أن يعرف البرهان بغير هذا الطريق فقد طمع فى المحال، ويكون كمن طمع فى أن يكون كاتبا يكتب الخطوط المنظومة وهو لا يحسن كتابة الكلمات، أو يكتب الكلمات وهو لا يحسن كتب الحروف

المفردة " ().

وفى بيانه لمقاصد البرهان يتحدث عن صورته وعن مادته، ويقول فى هذه الأخيرة " مادة البرهان وهى من المقدمات الجارية من البرهان مجرى الثوب من القميص، والخشب من السرير، .. وكما لا يمكن أن يتخذ من كل جسم سيف وسرير … كذلك لا يمكن أن يتخذ من كل مقدمة برهان منتج، بل البرهان المنتج لا ينصاغ إلا من مقدمات يقينية إن كان المطلوب يقينيا، وظنية إن كان المطلوب فقهيا " () …. ومدارك اليقين سبعة أولها الأوليات ويعنى بها العقليات المحضة، وثانيها المشاهدات الباطنة كعلم الإنسان بجوع نفسه، والثالث: المحسوسات الظاهرة. والرابع: التجريبيات فالمعلومات التجريبية يقينية عند من جربها .. والخامس: المتواترات، والسادس: الوهميات، والسابع: المشهورات، وهذه الأخيرة تصلح للفقهيات الظنية والأقيسة الجدلية ولا تصلح لإفادة اليقين ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير