تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفى حديثه عن لوا حق البرهان يذكر الاستقراء وهو - عنده -" عبارة عن تصفح أمور جزئية لنحكم بحكمها على أمر يشمل تلك الجزئيات " () لينتهى إلى ان الاستقراء إن كان تاما صلح للقطعيات، وإن كان مبنيا على ملاحظة الأكثر لم يصلح إلا للفقهيات ().

والأمام أبو حامد الغزالى معروف فى الغرب كشهرته فى الشرق، ومؤلفاته وجدت طريقها إلى مفكرى الغرب منذ وضعها () وإذا كان بعض الغربيين يزعم أن الغزالى المعروف هو صاحب " مقاصد الفلاسفة" () فهذا محض تنكر، لأن الغرب أطلع يقينا فى القرن الثانى عشر على " تهافت الفلاسفة " و " المنقذ من الضلال " و " معيار العلوم " وغيرها، وإن لم يكشف عن ترجمتها فلأن هذا لا يخدم غرض القوم ()، ناهيك عن أننا مع " بيترأبيلار " لا ننشغل بأمر الترجمة، فالرجل الذى يبدى الرغبة فى العمل ولو بقوت يومه فقط فى أى بلد إسلامى لا يظن به أن يجهل هذا اللسان الذى ينطق بعقيدة الإسلام وهديه ().

وخلاصة القول:

أن تطوير المنهج الجدلى وفقا لأسلوب التحليل والتركيب الذى تجاوز به آبيلار ورفاقه " المستويات المنطقية المتوارثة من كل من اليونان والرومان" () ليس إلا إعمالا لنظرية الغزالى فى " مدارك العقول وانحصارها فى الحد والبرهان ".

وعلى ما فسر لنا أساتذتنا فى نشأة تنازع القوانين فإن القانون الرومانى دائما ما كان يتخذ ستارا حتى يكون عمل المجددين مشروعا أمام الناس، مع أن التصنع فى التفسير أو التعليق كان ظاهرا فجا، والصلة بينه وبين القانون الرومانى معدومة تماما.

والفارق الهام بين مناطقة الإسلام وحملة الفكر الغربيين أن الإسلاميين كان لهم سلف هو الشافعى ?، وضع منهجه فى أصول الفقه منهجا للوحدة الفكرية تضبطها قوانين عامة استقاها ناصر السنة من الكتاب والسنة وفتاوى الصحابة وجدل العلماء ومناظراتهم، وكانت رسالته بشهادة الكافة بداية قوية للتأليف العلمى المنظم فى فن تجمع عناصره لأول مرة، ومن الوهم الزعم – كما افترى البعض – بأن الشافعى قد تأثر بالفكر الرومانى عموماً، وبكتابات أرسطو خصوصاً ().

أقول ومع أن صنيع سلفهم قد أبان المنهج فى وضوح يغنى عن اقتفاء أثر غيره، ومع أنهم لو زعموا – مع التجديد والإضافات الهامة إلى منطق أرسطو – أن لهم منطقهم الخاص الخالى عن التأثر لوجدوا من يصدقهم، إلا أنهم لم يفعلوها، ولم يتنكروا لأى معلم ولو كان ملحدا، ولأى علم وإن كان لبنة واحدة فى هذا البناء الشاهق الضخم، أما الآخرون فحالهم كما نرى ترجموا الكتب ونسبوها إلى أساقفتهم.

الفرع الثانى

الفكر الكنسى ودوره فى الثورة القانونية

يبرز الأستاذ توبى هاف إسهام الفكر الكنسى فى الثورة القانونية الغربية فى ثوبين: -

الأول: الثورة البابوية (1072 - 1122).

الثانى: إبراز فكرة الضمير.

- 1 -

الثورة البابوية

مضمون هذه الثورة على ما حكى توبى هاف إعلان بابا الكنيسة الكاثوليكية نفسه حرا فى أى قضية مدنية، بل فى التدخل فى تعيين الاكليركيين، وذلك بنزع سلطة التعيين من السلطات المحلية " وهكذا سحبت الثورة البابوية السلطة الروحية التى كانت مطلب الأباطرة والملوك والأمراء " () وفى رأيه أن الثورة البابوية كانت مدينة للأفكار الرومانية التى كانت قائمة فى ضوء القانون الكنسى والأعراف الأوربية التى كانت تقيد السلطات المدنية.

وعلى أثر هذه الثورة مارست الكنيسة كل الوظائف التى تنسب عادة إلى الدولة الحديثة، لقد طالبت أن تكون مستقلة، سلطاتها متدرجة عامة، على رأسها البابا الذى له الحق فى أن يشرع، ولقد أصدر خلفاء البابا جريجورى مجموعة من القوانين الجديدة، وتنفذ الكنيسة قوانينها من خلال كهنوت إدارى، حيث يحكم البابا كأنه حاكم حديث، له سيادة من خلال ممثليه، بل وفسرت الكنيسة قوانينها وطبقتها من خلال كهنوت قضائى فى محفل بابوى فى روما.

وبممارسة الكنيسة لكل هذه الوظائف يمكن القول إنها مارست كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للدولة الحديثة بما فى ذلك فرض الضرائب فى صورة عشور ورسوم أخرى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير