ينسب "توبي هاف" إلى توما الأكوينى أنه هو الذى حل مشكلة الضمير والحكمة، وهذا منطقى، لأن هذا الزائف الكبير – كما كشف الراهب الأسبانى آسين بلاثيوس – كان يتكلم بلسان ابن رشد المسلم، يقول بلاثيوس تعليقا على شروح الأكوينى للعلاقة بين الوحى والمعرفة الفلسفية " إن الاتفاق بينه وبين ابن رشد لم يقتصر على وجهة النظر الإجمالية والأفكار والأمثلة بل كان فى الألفاظ أحيانا، ولا يمكن أن يكون ذلك اتفاقا عارضا ولا مبنيا على رجوع كل منهما إلى أصل مشترك، ولا هو راجع إلى اتفاق فى الفكر الأوروبى نفسه، وإنما يرجع إلى أن القديس توما عرف آراء ابن رشد وانتفع بها (). وهذا فقط لبيان نسبة الفضل إلى أهله.
أهمية فكرة القانون الطبيعى فى التشريع الإسلامى:
أما من حيث أهمية الفكرة فى التطوير التشريعى بالمخترع الذى أسموه "القانون الطبيعى" فإننى أتصور أنه غم على الفكر الغربى، لأنه نظر فى الإسلام دين الله الخاتم بنظرته فى نظرية بولس، ومن ثم فقد انهمك فى خلافات المتكلمين حول قضية " العقل والنقل " ولم يلحظ أن الفقهاء عنوا بالحلول لا المشكلات، وعنوا بالجواهر لا الأعراض، ومعتنقاتهم التى انطلقوا منها أن "الأصل فى الأشياء الإباحة" وأن " اليقين لا يزول بالشك " وأن " الشريعة عدل كلها ورحمة كلها ومصلحة كلها، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور، ومن الرحمة إلى العنت، ومن المصلحة إلى المفسدة فليست من الشريعة فى شئ " وأن " الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان " إلخ.
هذه قوانين الشريعة التى بنى عليها أبو حنيفة " الاستحسان " ومالك: "المصلحة " والشافعى " الاستصحاب " وغير ذلك.
ولا نظن القانون الطبيعى شيئا غير هذا، ولكن قيمة القانون الطبيعى تظهر مع تشريع سمته النقص () والغرض، وليس شئ من ذلك فى شرع الله، والإقرار بتفرد الله بالكمال يحتم الاعتراف بنقص ما دونه فلم نعذب أنفسنا بالعقل الطليق () وقد هدانا الله إلى ما ينير للعقل الطريق؟
من نعم الله علينا اثنتان:
أولاهما: أنه أنزل الذكر وفيه كل ما ينشده القانون الطبيعى وزيادة، فلم يعد بالنسبة لنا مثالا يستوجب إرجاع البصر كرتين مع الخوف من انقلاب البصر خاسئا وهو حسير فلا ندرى: أأدركنا العدل أم شبه علينا " أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أم من يمشى سويا على صراط مستقيم " ().
والثانية: أن الله حفظ ذكره من التبديل والتغيير، وقد ثبت يقينا لكل ذى قلب أنه " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " () ومن ثم فلسنا فى حاجة إلى قانون آخر يسد عجزه، أو يقيم على مثاله.
إن حاجتنا فقط هى تدبره والتفقه فيه، فإن وجد ثمة عجز عن حكم فذاك فى إدراكنا، لا فى كتابنا وسنة نبينا ?.
الفرع الثالث
الشخصية المعنوية والثورة القانونية
آخر العوامل التى ارتأى الأستاذ توبى هاف أنها أحدثت الثورة القانونية التى غيرت من بنية المجتمع فى الغرب وهيأته للظفر بالعلم الحديث، هى فكرة الشخصية المعنوية أو الاتحادات.
وكعادته فإنه يرى أنها من نتاج ما يسمى بالحركة الجماعية للعصور الوسطى اللاتينية، وكان لها – فى رأيه – نتائج بعيدة المدى على النظم القانونية والسياسية والاجتماعية، آثار ما زالت باقية إلى يومنا هذا، فكرة اتحاد قائم على مبدأ أنه يمكن النظر إلى الجماعة على أنهم فرد واحد، … ولا يتطلب إدارة الجماعة رضا كل فرد، وإنما مجرد موافقة الأغلبية، ومن ثم فلا تنتهى، وإنما يبقى كيانها القانونى حتى وإن تغير الأفراد.
وقد حمل مبدأ الممثلين الجمعيين والتعامل معهم ككيان واحد مبدأ الانتخاب …، وفى صميم الفكرة القانونية للتعاون طابع جوهرى للأحكام الدستورية والحكم … إن مبدأ التمثيل السياسى هو أحد أهم إنجازات حكومات العصر الوسيط، وبينما كان اليونان والرومان قد اتخذوا خطوات فى هذا الاتجاه فإنه كانت تعوزهم المبادئ القانونية والفلسفية.
ومن منظور علم الاجتماع القانونى المقارن فقد كان هناك دور قانونى أكثر ثورية للتعاون ألا وهو مبدأ التشريع، أو تصور مجالات مشروعة للعمل القانونى ().
تعقيب
¥