ـ[أحمد محمد أحمد بخيت]ــــــــ[30 - 11 - 06, 11:36 م]ـ
الوعى الإسلامى 4
المطلب الثانى
وقفة يسيرة مع مزاعم الغرب عن
الوعى الإسلامى
– 1 –
زعم الغربيون أن مبنى التشريع الإسلامى على النقل فلا مجال فيه للعقل أو القانون الطبيعى، ولا محل لاعتبار المصلحة إلخ.
وهذا محض جهل أو افتراء.
فإن كانوا يجهلون فليعلموا:
1 - أن الأصل فى العادات – المعاملات – الالتفات إلى المعانى ثبت هذا بالاستقراء " فإنا وجدنا الشارع قاصدا لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور حيثما دار، فترى الشئ الواحد يمنع فى حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز ………………. " ().
كما ثبت من ملاحظة " أن الشارع توسع فى بيان العلل والحكم فى باب العادات، وأكثر ما علل فيها بالمناسب الذى إذا عرض على العقول تلقته بالقبول، ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع المعانى لا الوقوف مع النصوص بخلاف باب العبادات، فإن المعلوم فيه خلاف ذلك، وقد توسع فى هذا القسم مالك رحمه الله حتى قال بقاعدة المصالح المرسلة، وقال فيه بالاستحسان، ونقل عنه أنه قال: إنه تسعة أعشار العلم ().
وأخيرا ثبت بملاحظة " أن الالتفات إلى المعانى قد كان معلوما فى الفترات – أزمان الخلو من الرسالات – واعتمد عليه العقلاء حتى جرت بذلك مصالحهم، وأعملوا كلياتها على الجملة فاطردت لهم، سواء فى ذلك أهل الحكمة الفلسفية وغيرهم، إلا أنهم قصروا فى جملة من التفاصيل فجاءت الشريعة لتتمم مكارم الأخلاق، فدل على أن المشروعات فى هذا الباب جاءت متممة لجريان التفاصيل فى العادات على أصولها المعهودات ().
غير أن من المصالح ما لا يطلع عليه إلا بالوحى كأسباب العقوبات وتسليط العدو وقذف الرعب والقحط وسائر أنواع العذاب الدنيوى والأخروى، فيتوقف فيه على ما علم من الشريعة – النصوص – ومواطنه فيها بحمد الله كثيرة ().
ومع هذا فإن الثابت أو التعبدى من أحكام المعاملات نسبى جدا، والكثرة الغالبة أنيطت بالعلة والمصلحة، ومن هنا كانت قناعة العارفين العقلية - ناهيك عن النقلية – بصلاحية الشريعة لكل زمان ومكان قناعة لا يداخلها شك.
2 - أن مبنى العادات على الالتفات إلى المعانى ينفى تماما الزعم بجمود التشريع الإسلامى، وخصوصيته، فحيثما وجد المعنى وجد الحكم، دون نظر إلى الزمان والمكان والأشخاص، وقد فهم خطأ أن ترك أهل البلاد المفتوحة على كثير من عاداتهم فى المعاملات مرده إلى قصور فى التشريع الإسلامى () أو إلى التسامح الطبيعى، أو بذكاء الفاتحين لكسب ود وولاء أهل هذه البلاد ().
والحق أن هذا الترك إن كان لأن مبنى التصرف على العبادات، فلأنا أمرنا بترك أهل الذمة وما يدينون () وإن كان لأن مرده إلى العادات، فلأن " الأصل فى العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم " () والمعاملات طلق حتى يثبت المنع، وما دامت العادات المعهودة جارية على وفق الأصول المشروعة فلا مدخل لأحد فى المنع منها أو تغييرها، وإلا كان خارجا على أصول الشرع ().
وفقه هذه المعانى بموضوعية وإنصاف يؤكد أن أحكام المعاملات تتحقق فيها كل خصائص القاعدة القانونية بالمعنى الفنى الحديث من حيث العموم والتجريد والإلزام.
3 - والزعم بأن فى الشريعة ما يناقض العقل زعم باطل، فليس فى المنقول ما يخالف المعقول الصحيح، وقد أدرك هذا تلامذة ابن سينا والفارابى والغزالى وابن طفيل وابن رشد وغيرهم من الغربيين، فبيتروس ألفونصص - ودوره فى الغرب الوسيط كما سنرى – يقول فى " محاوراته " عن قانون الساراتيين " الشريعة الإسلامية وأحكامها" " إن الإسلام دين بسيط، وسهل المنال، وهو مبنى على العقل، وقانونه ملائم للإنسانية بصفة عامة " (). وتوما الأكوينى يؤكد " أن محمدا ? أسس قواعده وأحكامه التى تتناسب مع قدرات وإمكانات العقل المتوسط" () وفولتير على عدائه السافر لنبى الإسلام يقول " مما لا شك فيه أن الإسلام له كتاب ما حرف، لأنه ليس فى قدرة بشر أن يأتى بحرف فيه، فالذى جاء به الوحى لا يمكن لإنسان أن يقلده، ……… السنن التى أتى بها محمد كانت كلها – ماعدا تعدد الزوجات – قاهرة للنفس، ومهذبة لها،فجمال تلك الشريعة وبساطة قواعدها الأصلية جذبا للدين - المحمدى أمما كثيرة أسلمت " () وبرتراند رسل الفيلسوف
¥