البريطانى يقول: " التعاليم التى جاء بها محمد، والتى حفل بها كتابه ما زلنا نبحث ونتعلق بذرات منها، وننال أعلى الجوائز من أجلها " ().
هذه شهادات الأعداء، فما بالنا بالمحبين والفقهاء فى الدين، الذين خبروه، ووقفوا على دقائقه، ومراميه.
وبالنظر إلى جمهور أهل السنة- ومعتنقهم هو معتنق أكثر المسلمين - فإنهم يكبرون العقل ولكن فى إطار من مقاصد الشارع، فيعتبرون دائما النصوص والمعانى النظرية " على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا بالعكس لتجرى الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه و لا تناقض، وهو - أى هذا المنهج - الذى أمه أكثر العلماء الراسخين فعليه الاعتماد فى الضابط الذى به يعرف مقصد الشارع " ().
والسبب فى ذلك – ووحى الله لنا باعتراف الغرب ما حرف -إيماننا بأن "الوحى والعقل ليسا ندين، فأحدهما أكبر من الأخر وأشمل، وأحدهما جاء ليكون هو الأصل الذى يرجع إليه الأخر، والميزان الذى يختبر الأخر عنده مفرداته ومفهوماته وتصوراته، ويصحح به اختلالاته وانحرافاته، فبينهما - ولا شك - توافق وانسجام ولكن على هذا الأساس، لا على أساس أنهما ندان متعادلان وكفو أحدهما تماما للأخر، فضلا عن أن العقل المبرأ من النقص والهوى لا وجود له فى دنيا الواقع، وإنما هو (مثال) ليس هنالك عقل مطلق لا يتناوبه النقص والهوى والشهوة والجهل حتى يحاكم النص القرآنى إلى مقرراته، وإذا أوجبنا التأويل ليوافق النص هذه العقول الكثيرة فإننا ننتهى إلى فوضى " ().
وكمثال على ذلك مقررات العقل الغربى المصلحى التى لم تبق على معتقد أو معتاد، فبرأت فى الماضى الرومان من قتل المسيح - كما يزعمون - واليوم برأوا اليهود من دمه، فمن قتله إذن؟ إن كان قد قتل وصلب حقا؟
ونادى بتحرير المرأة ليستغلها فى أعمال الفسق والفجور، ونادى بالاشتراكية ليحكم قبضته على الشعوب المقهورة، وبالرأسمالية ليكون المال والعلم دولة بين الأغنياء، وبحقوق الإنسان ليستبيح كافة العلاقات المحرمة، و هكذا "إن الوسط الذى أنشأته العلوم الطبيعية وعلم الصناعات للإنسان لا يناسب الإنسان لأنه مرتجل، ولم يقم على تصميم وتفكير سابق، ولم يراع فيه الانسجام مع شخصية الإنسان، إن هذا الوسط الذى هو وليد ذكائنا واختراعاتنا لا يطابق قاماتنا ولا أشكالنا، نحن غير مسرورين، نحن فى انحطاط فى الأخلاق وفى العقول، إن الأمم التى ازدهرت فيها الحضارة الصناعية وبلغت أوجها هى أضعف مما كانت، وهى تسير سيرا حثيثا إلى الهمجية ولكنها لا تدرك ذلك" ().
هذا من كلام أحد عبدة " المقررات العقلية " وليت المفتونين ببدعة " العقل أولا " يفهمون، وليت لنا قيادة حكيمة تدرك مخاطر هذه البدعة على البلاد والعباد.
– 2 –
زعموا أن القانون الإسلامى لم يتمكن من إقامة مبادئ عامة للمساواة والعدالة، وافتقر إلى الأساس الذى يقوم عليه التشريع من سيادة مطلقة للمشروعية، وذلك نتيجة قيام النمط المذهبى الفقهى على أساس ألا تتكامل المدارس الشرعية للتفكير للتغلب على تنافر النصوص المختلفة.
وهذه فى الحقيقة جملة من الافتراءات والجهل الفاضح بعدم الفرق بين التنزيل والتأويل، ومرد هذه الضلالات إلى تصور أن " القانون الإسلامى "- حسب تعبيرهم - هو قانون الفقهاء الذى طوروه بجهود خاصة بتأثير أفكار دينية وأخلاقية ().
ورغم هذا الخطأ العلمى فى تعميم " الإلزام القانونى " على الاجتهادات الفقهية بما فى ذلك تلك التى يغلب عليها الرأى والاجتهاد، ولا تبنى على النصوص الشرعية القطعية التى لا مجال للرأى والاجتهاد فيها وليست محل إجماع، فإن هذا الزعم مردود من غير وجه.
1 - فالمبادئ العامة فى الشريعة الإسلامية ليست – ولا يمكن – أن تكون محل خلاف، لأنها ثابتة بالوحى المنزل الذى " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "، والذين وعوا الإسلام كما ينبغى أقروا بهذا، تقول السيدة أرمسترونج "والمشروع الإسلامى هو محاولة لخلاص التاريخ من الانحطاط والفوضى الحتمية التى تنجم عن غياب قوانين العدالة والمساواة " () وتقول " كثيرا ما يقال إنه إذا كانت المسيحية دين الحب فالإسلام دين العدالة الاجتماعية" ()، " ويقوم تنظيم المجتمع فى الأمة على أسس المساواة، فعلى الجميع القيام بنفس الواجبات، وبحيث لا تكون هناك صفوة أو نخبة
¥