تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفى العام 1085 سقطت طليطلة فى يد الملك ألفونسو فاتصلت حلقات القيم المتأصلة فى الوجدان الشعبى، وبدأت أوروبا ترصد معاملات جديدة وحلولا لم تكن تعرفها () ومن ذلك:

1 - التعامل بالسفاتج:

والسفاتج جمع مفرده سفتجة – بفتح السين والتاء أو بضمهما، أو ضم السين وفتح التاء وهو الأشهر – وهى كلمة معربة من الفارسية.

وتعنى السفتجة " معاملة مالية يقرض فيها إنسان قرضا لآخر فى بلد ليوفيه المقترض أو نائبه أو مدينه إلى المقرض نفسه أو نائبه أو دائنه فى بلد آخر معين" ()

إذا هى تعامل قائم على مفهوم الحوالة ()، وعنها يقول الأستاذ هيفلان "إن الحوالة الإسلامية من المرونة بحيث تؤدى فى نفس الوقت وظائف عدة، فهى تؤدى وظائف الإحالة والتنازل عن الحق، والوكالة بالقبض، والوكالة بقضاء الدين، وفتح الاعتماد " ().

ومن جانب آخر فإن الحوالة وأشباهها تقوم على أساس التسليم بنقل الالتزام بين الأحياء، وهو الأمر الذى يبنى على الأخذ بفكرة مادية الالتزام، ونظرا لأن الرومان نظروا إلى الالتزام باعتباره رابطة بين شخصين فقد ترتب على ذلك عدم صحة انتقاله لا إيجابا ولا سلبا إلى غيرهما، وقد حاول الرومان التخفيف من ضيق هذه النظرة بوسائل متعددة لا تسلم جميعها من النقد ().

وعن طريق الحضارة الإسلامية عرفت أوروبا " الحوالة " وهى مفرد شائع الانتشار فى اللغات الأوروبية () وفى القرن الثالث عشر الميلادى كان يجرى التعامل بالسفاتج فى المدن الإيطالية.

ونظرا للدور الذى تلعبه الحوالات والسفاتج فى التجارة ووظائف الدولة المالية من تخفيف أعباء النقل وسرعته، وسقوط خطر الطريق، وتمويل الصادرات والواردات إلى غير ذلك، لم يكن بوسع المجتمع التجارى الشاب فى الشمال الإيطالى إلا النزول على العرف التجارى الإسلامى والاستجابة لمقتضياته، وإن مضى زمن طويل قبل أن يصل الصراع إلى نهايته، وتستقر الحوالة والسفتجة كمبادئ جديدة فى الكيان القانونى العام ().

2 - الأخذ بنظامى القراض وبيع العينة:

القراض أو المضاربة معاملة تجارية شهيرة فى الربوع العربية والإسلامية، ولها فى حديث الفقهاء حظ وافر تبرزه المتون قبل الشروح، حتى لا يظن بمن يطالع متن الإمام ابن أبى زيد القيروانى المالكى المتوفى فى حدود (386هـ – 984م) أن تغفل عينه أحكامه، ونص عبارة النفراوى صاحب الفواكه على هذا المتن: " والقراض جائز بإجماع المسلمين، وهو بكسر القاف مشتق من القرض، وهو القطع سمى بذلك لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها بقطعة من الربح، وهذا اسمه عند أهل الحجاز، وأهل العراق لا يقولون قراضا، وإنما يقولون المضاربة، وكتاب المضاربة بدلا من كتاب القراض، أخذوا ذلك من قول الله تعالى " وآخرون يضربون فى الأرض " () وذلك أن الرجل فى الجاهلية كان يدفع إلى الرجل ماله على الخروج به إلى الشام أو غيرها، فيبتاع المبتاع على هذا الشرط.

ولا خلاف فى جواز القراض بين المسلمين كما قدمنا، وكان هذا فى الجاهلية فاقره الرسول ? فى الإسلام، لأن الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف فى أموالهم وليس كل أحد يقدر على التنمية بنفسه، فاضطر إليه لاستنابة غيره، ولعله لا يجد من يعمل فيه بأجره، فرخص فيه، وعرفه ابن عرفه بقوله: تمكين مال لمن يتجربه بجزء من ربحه، لا بلفظ الإجارة، فيدخل فيه بعض المفاسد كالقراض بالدين أو الوديعة …. وجواز القراض مستثنى من الإجارة المجهولة المدة، والكمية، ومن السلف بمنفعة " ().

وواضح من عبارة النفراوي ما في القراض من أوجه المصلحة لرأس المال والتجارة وعمالها، فضلا عن كونه أحد المخارج المشروعة من الربا.

ولأن السائد () في العصر الوسيط – أن النقد لا يلد النقد ()، وهو على إطلاقه – الأرسطى – يعم الربا – الذى حرمه المسيح عليه السلام بقوله "وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئا، فيكون أجركم عظيما " () – كما يعم المشاركة بالمال دون العمل، وهو جمود يؤدى إلى ركود حركة رأس المال، ومنع استغلاله إلا بمجهود صاحبه مستقلا أ و مع غيره، ومن البدهى أن ليس كل أحد يقدر على التنمية بنفسه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير