تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما إن تحرر الفكر الوسيط من مفهومه الجامد للقنية " الكنز " ونما نشاطه التجارى مع المسلمين بخاصة، إلا وشرع يبحث عن الحل التوفيقى بين حرمة الربا وحاجات التجارة، فوجده فى نظام المضاربة commenda ( ) ، وظهر تبرير هذا النظام فى كتابات توما الاكوينى () وقد اعترف المستشرقون بالأصل الإسلامى للـ commenda وأن القراض والمضاربة هو الأصل فى كثير من عقود الشركات ().

3 - بيع العينة: أما الـ Mohatra المخاطرة أو البيع المزدوج () فهو ما عرف فى الفقه الإسلامى باسم " بيع العينة " ().

وهى معاملة ظاهرها " بيع " والقصد منها التحايل على الربا، وصورتها: أن يرغب شخص فى أن يقترض من آخر، وهو لا يرغب أن يقرضه بدون فائدة، فيلجأ إلى حيلة توسيط بيع ليبدو مشروعا، وذلك كأن يشترى المستقرض من المقرض شيئا بألف مثلا مؤجلة إلى سنة وبعد تمام العقد، يبيع المستقرض نفس الشئ إلى المقرض بأقل من ألف حالة، ويقبض الثمن.

فتكون نتيجة هذا التصرف أن المستقرض قبض أقل من ألف والتزم برد ألف كاملة.

وقد اختلف فقهاء الإسلام فى هذا التصرف، فمنعه الجمهور للذريعة، وأجازه الشافعى وأبو ثور وأهل الظاهر وبعض الحنفية، باعتبار ظاهر التصرف، وحمل الناس على التهم لا يجوز، فمتى لم ينكشف قصدهم فلا سبيل لمؤاخذتهم.

ومذهب المجيزين ووجهه مبثوث – فيما طالعت – فى البداية لابن رشد () والمحلى لابن حزم () وصلة الغرب باجتهادات ابن رشد لا يلحقها أدنى شك ()

4 - الأخذ بنظام السمسرة:

ذكر الأستاذ جوزيف شاخت أن كلمتى sensalis , sensale وهى فى الألمانية ذات اللهجة النمساوية sensale جاءتا من الكلمة العربية سمسار، وهو المضارب أو الوسيط التجارى ().

والسمسار والدلال فى الأصل هو القيم على الأمر الحافظ له، ثم استعمل للمتولى فى البيع والشراء لغيره ()، لذا قد يعبر عنه باصطلاح: الأجير على البيع ().

وعلى ما ذكر الإمام السمعانى فإن السمسرة من الحرف التى كانت على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ()، ونقل عن الجاحظ فى المراتب والأخطار أن السماسرة آخر طبقة من طبقات المحترفين، قال " وأما السماسرة والدلالون وأصحاب النداء فقوم أجراء لا فى أعداد التجار، ولا فيمن لهم الحرف والصناعات، لا قيم لهم ولا أقدار، ولم نسمع لهم ذكرا فى أشعار " ().

ويبدو أن ما ذكره الجاحظ كان بالنظر إلى زمانه، لأنا وجدنا ابن الأخوة (المتوفى سنة 729 هـ –1329 م) يذكر فى أحكام الحسبة أن السماسرة ذوو منزلة وقدر وخبرة، قال " ينبغى أن لا يتصرف أحد من الدلالين حتى يثبت فى مجلس المحتسب ممن يقبل شهادته من الثقاة العدول من أهل الخبرة أنهم – أى الدلالين – أخيار ثقات من أهل الدين والأمانة والصدق فى النداء، فإنهم يتسلمون بضائع الناس ويقلدونهم الأمانة فى بيعها " ().

كما يبدو أن السماسرة كانوا يمارسون العمل على سبيل الاشتراك فيما بينهم، لأن الإمام ابن القيم (ت 751 هـ – 1351 م) أفتى فى الطرق الحكمية بأنه ينبغى لوالى الحسبة أن يمنع اشتراك كل طائفة يحتاج الناس إلى منافعهم كالدلالين، فإنهم إذا اشتركوا والناس يحتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجرة ().

ويؤخذ من كلام بعض السلف أيضا أن السمسرة صارت جنسا يضم أنواعا من الدلالة، لأنا وجدناهم يذكرون النخاسين أو سماسرة الرقيق والدواب، ويذكرون دلالى العقارات.

ويظهر فى مصنفات الحسبة أن السمسرة عمل لا يمارسه إلا الثقات الحكماء الخبراء ويلتزمون بأهم التزامات التاجر المقررة فى القوانين الراقية () يقول ابن الأخوة " ينبغى ألا يتصرف فى سمسرة العبيد والجوارى إلا من ثبت عند الناس أمانته وعفته وصيانته، وأن يكون مشهور العدالة، لأنه يتسلم جوارى الناس وغلمانهم، وربما اختلى بهم فى منزله، وينبغى ألا يبيع لأحد جاريه ولا عبدا حتى يعرف البائع، أو يأتى بمن يعرفه، ويثبت اسمه وصفته فى دفتره لئلا يكون المبيع حرا، أو مسروقا، ويتفقد عهد المماليك المتقدمة فى أيدى مواليهم ليعلم منها ما قد شرط على المشترى من ذلك بينهما، ولا يخفوا عيبا علموه، ولا يمكنوا المشترى من الخلوة بالجارية فى منزله قبل العقد ………

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير