وينبغى أن يكون بصيرا بالعيوب، خبيرا بابتداء العلل والأمراض … .. ويؤخذ على سماسرة الدواب ألا يبيعوا دابة حتى يعرفوا البائع، أو يعرفوا من يعرفه، ويكتب اسمه فى دفتره لئلا تكون معيبة أو مسروقة …….
ويؤخذ على دلالى العقارات ويستحلفون ألا يبيعوا ما يظن به أنه خرج عن يد صاحبه بكتابة تحبيس – وقف – أو كتاب إقرار أو رهن ولا شبهة، ولا لصبى، ولا ليتيم إلا بإذن وصيه " ().
وفى رسالة ابن أبى زيد " والأجير على البيع إذ تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر، وإن باع فى نصف الأجل فله نصف الإجارة () وفهم منه الشراح أن السمسرة قد تكون على بذل عناية أو بلوغ غاية، فإن كانت على الأول فالأجر بحسب المدة، وإن كانت على الثانى فلا يستحق شيئا إلا بحصوله ().
وواضح أننا بصدد نظام تام، لا فكرة جزئية، وأن الناقل لم يجاوز فى عمله الترجمة والصياغة التى تناسب ظروف مجتمعه، وإن كان انتقال الكلمة (سمسار) بلفظها ينبئ بالنقل الحرفى.
5 - حلول ومعاملات أخرى:
وفقا لنظرية توما الأكوينى فى الربا فإن التعهد بدفع الفائدة يعد التزاما بلا سبب، والوفاء بها هو دفع مبلغ غير مستحق، ولكن إذا تأخر المقترض عن السداد فى الميعاد المحدد، فإن للمقرض الحق فى مطالبة المقترض بالتعويض متى أصابه من هذا التأخير ضرر، وعلى ذلك يكون الربا المحرم عند الأكوينى هو ربا المعاوضة، أما الفائدة عن التأخير فهى من قبيل التعويضات فلا تحرم ().
وفى ظن الدكتور محمد سراج فإن هذا الحل التوفيقى استفاده الأكوينى من الفقه الإسلامى الذى قيد جريان الربا فى المعاوضات لا الغرامات، وذكر سيادته أن السيوطى عبر عن هذا القيد فى كتابه الأشباه والنظائر. ().
وقد طلبت قول السيوطى فى مظانه فلم أقف عليه، كما طلبته فى أبواب السياسة الشرعية خاصة التعزير بالغرامات فلم أوفق فى الوقوف على شئ من ذلك، ومبلغ علمى أن القول بحل فوائد التأخير مما تفرد به بعض المحدثين، ويحكى أن الشيخ محمد رشيد رضا هو أول من قال بذلك () وهو رأى محل نقد كبير.
والغالب فى ظنى أن الأكوينى قد أنس فى حيلته هذه بما هو مقرر عند جمهور الفقهاء من مشروعية التعزير بالعقوبات المالية، ومنها تغريم مانع الزكاة، لما روى عن النبى ? أنه قال " إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا" ().
كذلك أخذ الغرب عن فقهاء الإسلام فكرة خروج الوقف عن التمليك والتملك على أساس أن رقبة الوقف ملك لله تعالى، وقد عنى ببحث هذه المسألة المستشار محمد شريف، ونقلها عنه الدكتور محمد سراج، ومن قول السيد المستشار " لقد ثبت لنا أن فقهاء الشرع الشريف لم يقولوا بتملك الوقف بوضع اليد مهما طالت المدة، لأن ملكية الوقف (أى الرقبة) لله تعالى، وليس للعبد إلا المنفعة فقط، فلا يباع الوقف ولا يرهن ولا يملك إذن بوضع اليد مطلقا.
وقد أخذت بهذا المبدأ جميع القوانين الأوروبية، وكان الفضل فى ذلك للشريعة الإسلامية الغراء، التى انتقلت إلى التشريع الفرنسى على مذهب الإمام مالك … .. ولقد قرر الإنجليز أيضا أن الوقف لا يملك بوضع اليد مهما طالت المدة. ().
وأخيرا فإن المستشرق جوزيف شاخت ذكر أن لفظة Cheque - شيك- جاءت من الكلمة العربية صك، أى الوثيقة المكتوبة () والقارئ لفقه المالكية المغاربة يدرك مبلغ عنايتهم بالتوثيق، وقد درجوا على إطلاق مصطلح " صك الدين" على الوثيقة التى تثبته.
خامسا: الأخذ بالصيغ الإسلامية فى التوثيق:
على الرغم من أن جمهور الفقهاء يرون التوثيق بالكتابة مندوبا لا واجبا على أساس أن الأمر فى قوله تعالى " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" () للإرشاد والندب ليس إلا () فإن عادة المسلمين جرت بالتوثيق فى كل معاملة تقريبا، وتظهر العناية بالتوثيق فى مصنفات المغاربة بوجه خاص، وفيما حكاه القاضى أبو المطرف الشعبى عن محمد بن عمر بن لبابة المتوفى سنة 314هـ -926م قوله "والتعليم على الشهادة فى الوثائق من سنة الحكم، ولا يكتفى بسماعه للشهادة دون التعليم، لأنه يتذكر به ما شهد به عنده " ().
¥