وتحت عنوان القاضى يكتب الحكم. قال أبو المطرف " وسئل ابن أبى زيد القيروانى عن القاضى يحكم لطالب على مطلوب فيسأله أن يكتب له كتاب حكم، فلا يكون فى البلد من يعرف كتب الأحكام غير القاضى، هل يسعه ألا يكتب؟ وهل إن كتب له أخذ حقه منه؟ وهل يعطى أضعاف أجره؟
فأجاب: لو أن القاضى أفهم من يرجو أن يفهم عنه وجه ما كتب ويدعه يكتب، ثم يتفقد ما كتب ما يصلحه ويزيد فيه وينقص كان هذا أنزه له، وأما لو كتب له وأخذ أجره لكان جائزا إذا جرى الأمر على الصحة والسلامة، ولكنه ذريعة إلى أن يعير، أو يكسبه الناس ما لم يكتسب لسوء تأويلهم عليه.
وأما القاضى إذا حكم، هل يلزمه كتب نسخة الحكم فى ديوانه؟ فهو أمر لا يلزمه، ولكنه أمر مستحسن لأنه قد يحتاج إليه وينتفع به " ().
وعلى وجه عام فإن ذكر الوثيقة يطرد فى مختلف أبواب مصنف القاضى أبى المطرف، وأوضح منه فى الدلالة على شيوع التوثيق فى المعاملات والأحكام ابن سلمون الكنانى فى مصنفه الرائع " العقد المنظم للحكام فيما يجرى بين أيديهم من العقود والأحكام " وقد قال فى مقدمته " لما كانت الأحكام الشرعية لها محل كبير من الدين وعمدة فى حفظ نظام أمر المسلمين، …. لم أزل أعمل النظر فى دواوين العلماء، وأطيل البحث عن المسائل المحفوظة فى ذلك عن المتقدمين والمتأخرين، حتى اجتمع لى فى ذلك عدة من المسائل المفيدة وجملة وافرة من الأحكام والنوازل الفردية فأردت أن أضم نشرها، وأنظم على الاختصار دررها فى ديوان يحتوى عليها، ويكون لى تذكرة عند التشوق إليها، وأضفت إلى ذلك من الوثائق المستعملة ما يكون لفائدتها كالتكملة، وقد جمعت من ذلك للناظر ما يكثر به بلواه، ولا يجده مجموعا فى سواه" ()
وقد قصدت بهذا الإطناب التمهيد لأمرين:
أولهما: التأكيد على اعتراف الأستاذ جوزيف شاخت بقوله " وهناك تأثير -للتشريع الإسلامى - مهم آخر، ولكنه ذو صبغة شكلية محضة حدث فى أسبانيا الإسلامية، حيث نجد أن المسيحيين الذين تعربوا وعرفوا باسم المستعربين أخذوا يستعملون فى وثائقهم وعقودهم الصيغ الفنية المتبعة فى الوثائق الإسلامية، واحتفظوا بهذه الطريقة فى مدينة طليطلة لمدة حوالى القرنين بعد أن استعادها النصارى عام 478هـ – 1085م " ().
وأزيد على عبارة الأستاذ شاخت أن التوثيق شمل العقود والأحكام، وقد ذكر المعربان أنه " توجد فى محفوظات كنيسة طليطلة ألوف من وثائق البيوع والتركات، ومختلف المعاملات المالية، وقد درس بعضها أول الأمر المستشرق جين روبلز وقد كان من خيرة المستشرقين الأسبان، ولكنه توفى شابا، وقام بالعمل بعد ذلك أنجل جنذاليس باليينا فدرس بضعة ألوف من هذه الوثائق، ونشرها بنصوصها العربية مع ترجمتها الأسبانية فى أربعة مجلدات فى مدريد 1939م ().
ثانيهما: أننا نظن أن هذه الوثائق أو نحوها مضمومة إلى الوثائق الصقلية والتشريعات التى أصدرها الأباطرة: ليو الأسورى، وشارلمان، وباسيل وأولاده، وأوتو، وروجر الأول، وروجر الثانى، الذى قيل عنه " إن مملكته هى أول دولة عصرية حديثة " () وكلها تشريعات غلب فيها الاقتباس من النظم والاجتهادات الإسلامية، هذه كلها هى التى درسها الفقيه جراتيان من أجل أن يستخلص منها المبادئ العامة التى يمكن أن تشكل أسسا لنسق قانونى () وإلا فما معنى ما يقوله توبى هاف " إنه جمع ودرس حوالى مائة وثمان وثلاثين مجموعة قانونية من فترات مختلفة، وفى المرحلة الثانية من عمله ناقش النشرات القانونية المتنوعة …… لقد حلل مثلا ستا وثلاثين مجموعة بابوية متعلقة بمنازعات إلى " مع " و "ضد " محاولا التوفيق بين المتناقضات بقدر الإمكان، أو يدعها على حالها دون حل، مقدما التعميمات، وأحيانا التوفيق بين التعميمات " ().
وكيف يتسنى صدق هذا مع قوله " لم تكن هناك مدارس للقانون، ولا نصوص قانونية تتعامل مع التحقيقات القانونية، كالتشريع والإجراءات، والجريمة، والعقود، والملكية، وسائر الموضوعات التى تشكل بنية الأنساق القانونية فى الغرب " ().
من أين له بمائة وثمان وثلاثين مجموعة قانونية من حيث لا نصوص قانونية؟ *.
المطلب الثالث
الحقائق التاريخية والواقعية
¥