تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتوهم رجل من صغار الصحابة أمراً فأخبر بما توهمه ومايقتضيه ففضحه الله عز وجل إلى يوم القيامة إذ أنزل فيه [ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا]، ثم كان الصحابي يرى من إكرام التابعين له وتوقيرهم وتبجيلهم مالا يخفى أثره على النفس ويعلم أنه إن بان لهم منه أنه كذب كذبة سقط من عيونهم ومقتوه واتهموه بأنه لم يكن مؤمناً وإنما كان منافقاً. وقد كان بين الصحابة ماظهر واشتهر من الاختلاف والقتال ودام ذلك زماناً ولم يبلغنا عن أحد منهم انه رمى مخالفه بالكذب في الحديث، وكان التابعون إذا سمعوا حديثاً من صحابي سألوا عنه غيره من الصحابة ولم يبلغنا أن أحداً منهم كذب صاحبه غاية الأمر أنه قد يخطئه، وكان المهلب بن أبي صفرة في محاربته الأزارقه يعمل بما رخص فيه للمحارب من التورية الموهمة فعاب الناس عليه ذلك حتى قيل فيه:

أنت الفتى كل الفتى لو كنت تصدق ماتقول

ثم كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل، ثم ينشأ دائباً في الطلب والحفظ والجمع ليلاً ونهاراً ويرتحل في طلبه إلى أقاصي البلدان ويقاسي المشاقّ الشديدة كما هو معروف في أخبارهم ويصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو أربعين سنة وتكون أمنيته الوحيدة من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث ويسمعوا منه ويرووا عنه، وفي (تهذيب التهذيب) ج11 ص183 " قال عبد الله بن محمود المروزي: سمعت يحيى بن أكثم يقول:

" كنت قاضياً وأميراً ووزيراً ماولج سمعي أحلى من قول المُستملي () ذكرت؟ ري الله عنك " وفيه ج6 ص314: " روي عن عبد الرزاق أنه قال: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة وقلت: يارب مالي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ فرجعت إلى البيت فجاؤوني " وقد علم طالب الحديث في أيام طلبه تشدد علماء الحديث وتعنتهم وشدة فحصهم وتدقيقهم حتى أن جماعة من أصحاب الحديث ذهبوا إلى شيخ ليسمعوا منه فوجدوه خارج بيته يتبع بغلة له قد انفلتت يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها البغلة ويدعوها لعلها تستقر فيمسكها فلاحظوا أن المخلاة فارغة فتركوا الشيخ وذهبوا وقالوا إنه كذاب كذب على البغلة بإيهامها أن في المخلاة شعيراً والواقع أنه ليس فيها شيء .. وفي (تهذيب التهذيب) ج11 ص284 " وقال هارون بن معروف: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام فكنت أول من بكر عليه فسألته أن يملي عليّ شيئاً فأخذ الكتاب يملي فإذا بإنسان يدق الباب فال الشيخ: من هذا؟. فإذا بآخر يدق الباب قال الشيخ من هذا؟ قال: يحيى بن معين، فرأيت الشيخ ارتعدت يده ثم سقط الكتاب من يده. وقال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين،:" قدم علينا عبد الوهاب بن عطاء فكتب إلى أهل البصرة: وقدمت بغداد وقبلني يحيى بن معين و الحمد لله ".

فمن تدبر أحوال القوم بان له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الكذب منهم طول عمره وإنما العجب ممن اجترأ على الكذب، كما أنه من تدبر كثرة ماعندهم من الرواية وكثرة مايقع من الالتباس والاشتباه وتدبر تعنت أئمة الحديث بان له أنه ليس العجب ممن جرحوه بل العجب ممن وثقوه.

ومن العجب أن أولئك الكتاب يلاحظون الموانع في عصرهم هذا بل في وقائعهم اليومية فيعلمون من بعض أصحابهم أنه صدوق فيثقون بخبره ولو كان مخالفاً لبعض مايظهر لهم من القرآن بحيث لو كان المدار على القرائن لكان الراجح خلاف مافي الخبر، ويعرفون آخر بأنه لا يتحرز عن الكذب فيرتابون في خبره ولو ساعدته قرائن لا تكفي وحدها لحصول الظن، وهكذا يصنعون في أخبارا مكاتبي الصحف وفي الصحف أنفسها فمن الصحف ماتعوّد الناس منها أنها لا تكاد تنقل إلا الأخبار الصحيحة فيميلون إلى الوثوق بما يقع فيها وإن خالف القرائن، وفيها ماهو على خلاف ذلك. وبالجملة فلا يرتاب عاقل أن غالب مصالح الدنيا قائمة على الأخبار الظنية، ولو التزم الناس أن لا يعملوا بخبر من عرفوا أنه صدوق حتى توجد قرائن تغني في حصول الظن عن خبره لاستغنوا عن الأخبارا بل لفسدت مصالح الدنيا. ولست أجهل ولا أجحد مافي طريقة الكتاب من الحق ولكنني أقول: ينبغي للعاقل أن يفكر في الآراء التي يتظناها العقلاء في عصرهم نفسه بناء على العلامات والقرائن أليس يكثر فيها الخطأ؟ هذا مع تيسر معرفتهم بعصرهم وطباع أهله وأغراضهم وسهولة الاطلاع على العلامات والقرائن فما أكثر مايقع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير