تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبما تقدم يتبين صحة اطلاق الأئمة قبول غير الداعية إذا ثبت صلاحه وصدقه وأمانته، ويتبين أنهم إنما نصوا على رد المبتدع الداعية تنبيهاً على أنه لا يثبت له الشرط الشرعي للقبول وهو ثبوت العدالة.

هذا كله تحقيق للقاعدة فأما الأستاذ فيكفينا أن نقول له: هب أنه اتجه أن لا يقبل من المبتدع الثقة مافيه تقوية لبدعته فغالب الذين طعنت فيهم هم من أهل السنة عند مخالفيك وأكثر موافقيك، والآراء التي تعدها هوىً باطلاً، منها ماهو عندهم حق، ومنها مايسلم بعضهم أنه ليس بحق ولكنه لا يعده بدعة، وسيأتي الكلام في الاعتقاديات والفقهيات ويتبين المحق من المبطل ان شاء الله تعالى، وفي الحق مايغنيك لو قنعت به كما مرت الاشارة إليه في الفصل الثاني، ومن لم يقنع بالحق أوشك أن يحرم نصيبه منه كالراوي يروي أحاديث صادقة موافقة لرأيه ثم يكذب في حديث واحد فيفضحه الله تعالى فتسقط أحاديثه كلها! [وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلَمون].

4 ـ قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك

كلام العالم في غيره على وجهين:

الأول مايخرج مخرج الذم بدون قصد الحكم، وفي " صحيح مسلم " وغيره من حديث أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهداً لم تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة " وفي رواية " فأي المسلمين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة .. ".

وفيه نحوه من حديث عائشة ومن حديث جابر، وجاء في هذا الباب عن غير هؤلاء () وحديث أبي هريرة في صحيح البخاري مختصراً. ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم سباباً ولا شتاماً ولا لعاناً ولا ك ان الغضب يخرجهُ عن الحق، وإنما كان كما نعته ربه عز وجل بقوله [وإنك لعلى خلق عظيم] وقوله تعالى: [ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك] وقوله عز وجل [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم] وإنما كان يرى من بعض الناس مايضرهم في دينهم أو يخل بالمصلحة العامة أو مصلحة صاحبه نفسه فيكره صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وينكره فيقول:" ماله تربت يمينه " ونحو ذلك مما يكون المقصود به اظهار كراهية ماوقع من المدعو عليه وشدة الانكار لذلك وكأنه والله أعلم أطلق على ذلك سباً وشتماً على سبيل التجوز بجامع الايذاء فأما اللعن فلعله وقع الدعاء به نادراً عند شدة الانكار، ومن الحكمة في ذلك إعلام الناس أن مايقع منه صلى الله عليه وآله وسلم عند الانكار، كثيراً مايكون على وجه اظهار الانكار والتأديب لا على وجه الحكم، وفي مجموع الأمرين حكمة خرى، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم من طباع أكثر الناس أن أحدهم إذا غضب جرى على لسانه من السب والشتم واللعن والطعن مالو سئل عنه بعد سكون غضبه لقال: لم أقصد ذلك ولكن سبقني لساني، أو لم أقصد حقيقته ولكني غضبت فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبه امته على هذا الأصل ليستقر في أذهانهم فلا يحملوا مايصدر عن الناس من ذلك حال الغضب على ظاهره جزماً.

وكان حذيفة ربما يذكر بعض مااتفق من كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند غضبه فأنكر سلمان الفارسي ذلك على حذيفة رضي الله عنهما وذكر هذا الحديث، وسئل بعض الصحابة وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة عن شيء من ذلك فأراد أن يخبر وكانت امرأته تسمع فذكرته بهذا الحديث فكف.

فكذلك ينبغي لأهل العلم أن لا ينقلوا كلمات العلماء عند الغضب وأن يراعوا فيما نقل منها هذا الأصل , بل يقال لو فرض أن العالم قصد عند غضبه الحكم لكان ينبغي أن لا يعتد بذلك حكماً ففي (الصحيحين) وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" لفظ البخاري، والحكم في العلماء والرواة يحتاج إلى نظر وتدبر وتثبت أشد مما يحتاج إليه الحكم في كثير من الخصومات فقد تكون الخصومة في عشرة دراهم فلا يخشى من الحكم فيها عند الغضب إلا تفويت عشرة دراهم فأما الحكم على العالم والراوي فيخشى منه تفويت علم كثير وأحاديث كثيرة ولو لم يكن إلا حديثاً واحداً لكان عظيماً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير