تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويظهر أن تقييده بقوله: " وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته " إنما مغزاه أنه إذا كان فيه تقوية لبدعته لم تكن هناك مصلحة في نشره بل المصلحة في عدم روايته كما مر، ويتأكد ذلك هنا بأن الفرض أنه تفرد به وذلك يدعو إلى التثبت فيه، وإذا كان كلام ابن دقيق العيد محتملاً لهذا المعنى احتمالاً ظاهراً فلا يسوغ حمله على مقالة ابن قتيبة التي مر مافيها.

وقال ابن حجر في (النخبة وشرحها):

الأكثر على قبول غير الداعية إلا أن يروي مايقوي مذهبه فيرد على المذهب المختار وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي ... وماقاله متجه لأن العلة التي لها رد حديث الداعية واردة، فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية. والله أعلم ".

أقول الضمير في قوله " فيرد " يعود فيما يظهر على المبتدع غير الداعية، أوقع الرد على الراوي في مقابل إطلاق القبول عليه، وقد قال قبل ذلك " والتحقيق أنه لا يرد كل مكفّر ببدعة " والمراد برد الراوي رد مروياته كلها. وقد يقال يحتمل عود الضمير على المروي المقوى لمذهبه، وعلى هذا فقد يفهم منه أنه يقبل منه ماعداه، وقد يشعر بهذا استناد ابن حجر إلى قول الجوزجاني فأقول ان كان معنى الرد على هذا المعنى الثاني ترك رواية ذاك الحديث للمصلحة وان كان محكوماً بصحته فهذا هو المعنى الذي تقدم أن به تستقيم عبارة الجوزجاني وإن كان معناه رد ذاك الحديث اتهاماً لصاحبه ويرد معه سائر رواياته فهذا موافق للمعنى الأول، ولا تظهر موافقته لعبارة الجوزجاني، وان كان معناه رد ذلك الحديث اتهاماً لراويه فيه ومع ذلك يبقى مقبولاً فيما عداه فليست عبارة الجوزجاني بصريحة في هذا ولا ظاهرة فيه كما مر وإنما هو قول ابن قتيبة.

وسياق كلام ابن حجر ماعدا استناده إلى قول الجوزجاني يدل على أن مقصوده رد الراوي مطلقاً أو رد ذاك الحديث وسائر روايات راويه وذلك لأمور منها أن ابن حجر صرح بأن العلة التي رد بها حديث الداعية واردة في هذا وقد قدم أن العلة في الداعية هي " أن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على مايقتضيه مذهبه، ومن كانت هذه حاله فلم تثبت عدالته كما تقدم فيد مطلقاً، ومنها أن هذه العلة اقتضت في الداعية الرد مطلقاً فكذلك هنا بل قد يقال على مقتضى كلام ابن حجر: هذا أولى لأن الداعية يرد مطلقاً وإن لم يرو مايوافق بدعته وهذا قد روى.

هذا وقد وثق أئمة الحديث جماعة من المبتدعة واحتجوا بأحاديثهم وأخرجوها في الصحاح، ومن تتبع رواياتهم وجد فيها كثيراً مما يوافق ظاهره بدعهم، وأهل العلم يتأولون تلك الأحاديث غير طاعنين فيها ببدعة راويها ولا في راويها بروايته لها ()، بل في راوية جماعة منهم أحاديث ظاهرة جداً في موافقة بدعهم أو صريحة في ذلك إلا أن لها عللاً أخرى، ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضعفها أهل العلم بعضها بضعف بعض من فوق الأعمش في السند وبعضها بالانقطاع، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس، ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في " تاريخه الصغير " ص68 ووهنه بتدليس الأعمش، وهكذا في رواية عبد الرزاق وآخرين.

هذا وقد مر تحقيق علة رد الداعية، وتلك العلة ملازمة أن يكون بحيث يحق أن لا يؤمن منه ماينافي العدالة فهذه العلة أن وردت في كل مبتدع روى مايقوي بدعته ولو لم يكن داعية وجب أن لا يحتج بشيء من مرويات من كان كذلك ولو فيما يوهن بدعته، وإلاّ ـ وهو الصواب ـ فلا يصح اطلاق الحكم بل يدور مع العلة، فذاك المروي المقوي لبدعة راويه إما غير منكر فلا وجه لرده فضلاً عن رد راويه، وإما منكر، فحكم المنكر معروف، وهو أنه ضعيف، فأما راويه فان اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة كرميه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط البتة، وإن اتجه الحمل على غير ذلك كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك، وان تردد الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول، وإلا أخذ بقول من هو أعرف منه أو وقف، وقد مر أوائل القاعدة الثانية بيان مايمكن أن يبلغه أهل العصر من التأهل للنظر فلا تغفل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير