فهذا غير صحيح والله أعلم. وإن كنا نُسَلّم أن قواعد الفقه لها من الاستثناءات أكثر من غيرها، لكن هذا لا يعني أن غيرها لا يَرِدُ عليها شيءٌ من المستثنيات.
وبعد هذا الإيضاح أقول: إن القواعد التي نذكرها في هذا الكتاب هي قواعد كلية وإن كان كثير منها مستثنيات. هذا؛ واعلم أن القواعد لا بد من أن يتحقق فيها وصف (الكلية) بحيث تكون مشتملة على أحكام ما تحت موضوعها من جزئيات، ولا تكون قاعدة لمجرد أنها مفيدة فائدة جديدة فحسب.
2 - قولنا: (يتعرف به): هذا التعبير أدق من تعبير بعضهم بـ (ينطبق)، لأن استخراج الحكم المندرج تحت القاعدة لا يكون أمراً بدهياً، بل يحتاج إلى إعمال ذهن وشيء من التفكير والتأمل.
3 - لقولنا (على أحكام جزئياته) ولم نقل: (على جميع جزئياته)، لأن كثيراً من القواعد أغلبية، وذلك لوجود مستثنيات خارج عنها كما سبق. هذا باختصار فيما يتعلق بالقاعدة لغة واصطلاحاً.
والنفوس ... تشرئب إلى النتائج دون المقدمات، وترتاح إلى الغرض المقصود، دون التطويل في (العبارات)، ولهذا لا أدعي الاستيعاب ولا مقاربته، إذ هذا أمر يشبه المستحيل، وإنما صورة الأمر ما ذكره الزركشي –رحمه الله- بقوله: (واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه، لاستفرغ عُمره، ثم لم يُحكم أمره، ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله، والرمز إلى بعض فصوله، فإن الصناعة طويلة، والعمر قصير، وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير؟!.
قالوا خذ العين من كل فقلت لهم * في العين فضل ولكن ناظر العين
والشأن في التعاريف كما قال السبت: ( .. أما المصطلحات الواردة في ضمن بعض القواعد فيكتفى بتعريفها الاصطلاحي، من غير اشتغال بشرحه، منعاً للتطويل، وهنا أمر يجب التنبه له، وهو: أني أذكر من التعريفات ما أظنه الأقرب في الدلالة على المطلوب، دون تكلف وتمحل. وقد صرح الجويني بأن الوفاء بشرائط الحدود شديد، وأن المطلب الأقصى رَسْمٌ يؤنس الناظر بمعنى المطلوب، وأن حق المسئول عن ذلك أن يقول: أقرب عبارة في البيان عندي كذا وكذا. وأن الفاضل من يذكر في كل مسلكٍ الممكن الأقصى).
بل جاء في (الآيات البينات): (إن المناقشة في الألفاظ بعد فهم معناها ليست من شأن المحققين، وربما قالوا: المُحصِّلين، أو الفضلاء، بدل المحققين. بل شأنهم بيان محاملها الصحيحة، ولا يشتغلون بذلك إلا على سبيل التبعية، تدريباً للمتعلمين، وإرشاداً للطالبين).
2 - تعريف التفسير:
أ-معنى التفسير لغة: عند تتبع معنى هذه اللفظة نجد أنها تدور على: (الكشف والبيان). وسواء كان ذلك في المعاني أم المحسوسات والأعيان. فيقال: فسَّر الكلام أي: أبان معناه وأظهره، كما يقال: فَسَرَ عن ذراعه: أي: كشف عنها. (فهو إخراج الشيء من مقام الخفاء إلى مقام التجلي).
قال ابن فارس: (الفاء والسين والراء كلمة واحدة تدل على بيان شيء وإيضاحه. من ذلك: الفَسْرُ، يقال: فَسَرْت الشيء وفسَّرته).
وقد اختلف في مادة اشتقاقه على أقوال:
الأول: أنه مأخوذ من (التَّفْسِرَة)، وهو نَظَرُ الطبيب في بول المريض لمعرفة علته. قالوا: فكذلك المفسر ينظر في الآية لاستخراج حكمها ومعناها. وممن اختار هذا القول: الزركشي، وصديق حسن خان –رحمهما الله تعالى- والحقيقة أن نظر الطبيب هذا مأخوذ من الفَسْر كما في (الصحاح) مادة: فسر (2/ 781)، و (اللسان) مادة: فسر (2/ 1095)، و (القاموس) مادة: الفسر/ (ص: 587)، وانظر شرحه: (تاج العروس) (3/ 470).
قال ابن فاس: (وأما اشتقاقه فمن الفسر). ثم ساق بسنده إلى الخليل قال: (الفسر: البيان، واشتقاقه من فَسْر الطبيب للماء: إذا نظر إليه، ويقال لذلك: التفسرة أيضاً). وقال في (معجم المقاييس): (الفَسْر والتفسرة: نظر الطبيب إلى الماء وحكمه فيه). ونقل الأزهري عن الليث: (وكل شيءٍ يُعرف به تَعَرُّف تفسير الشيء ومعناه؛ فهو: تفسرته). وأما الجوهري؛ فقد عدَّ (التفسرة) من المُوَلَّد.
الثاني: أنه تفعيل من الفسر، الذي هو البيان والكشف، وظاهر صنيع ابن فاس،
¥