الصحابي، والأزهري، والجوهري، وابن منظور، والفيروز أبادي والسيوطي، يشعر باختيارهم هذا القول. وهو الراجح. والله أعلم الثالث: أنه مأخوذ من قول العرب: (فسرت الفرس، فسّرته).أي: أجريته وأعديته إذا كان به حُصْر ليستطلق بطنه. وكأن المفسر –على هذا المعنى- يجري فرس فكره في ميادين المعاني ليستخرج شرح الآية وَيحُل عقْد إشكالها. قال الألوسي: (ولعله يرجع لمعنى الكشف كما لا يخفى، بل كل تصاريف حروفه لا تخلو عن ذلك كما هو ظاهر لمن أمعن النظر). ولا يخفى أن هذه المعاني الثلاثة متقاربة؛ أما الأول والثاني: فظاهر أنهما يرجعان إلى معنى واحد.
و أما الثالث؛ فيقال: إنه آيل إلى معنى الظهور والانكشاف أيضا. قال أبو حيان: (التفسير في اللغة: الاستبانة والكشف. قال ابن دريد: ومنه يقال للماء الذي ينظر فيه الطبيب: تفسرة. وكأنه تسمية بالمصدر، لأن مصدر فعَّل جاء أيضاً على تفعِلة. نحو جَرَّب تجرِبة، وكرَّمه تكرمة، وإن كان القياس في الصحيح من فعَّل التفعيل، كقوله تعالى: {وأحسن تفسيراً}. وينطلق أيضاً التفسير على التعرية للانطلاق. قال ثعلب: نقول: فسرت الفرس: عريته لينطلق في حصره، وهو راجع لمعنى الكشف، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري). وقال الزركشي في (البرهان في علوم القرآن): (فالتفسير كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به، ويقال: فسرت الشيء أفسره تفسيراً، وفسرته أفسره فسراً، والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال، وبمصدر الثاني منهما سمى أبو الفتح ابن جني كتبه الشارحه (الفسر).
الرابع: أنه مأخوذ من مقلوب لفظه، تقول العرب: (سفرت المرأة)، إذا كشفت قناعها عن وجهها، وسفرت البيت إذا كنسته. ومنه قيل للسفر: سفر؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال. وعليه؛ فيكون اشتقاقه من (التسفير) على القياس: جذب وجبذ. وصعق وصقع. وهذا القول فيه ضعف لا يخفى.
قال الألوسي في (روح المعاني): (والقول بأنه مقلوب السفر مما لا يسفر له وجه). وذهب الراغب إلى أن الفسر يستعمل لإظهار المعنى المعقول، والسفر لإبراز الأعيان للأبصار.
وهذا التفريق فيه نظر، إلا إن قُصِد به غلبة الاستعمال، أما من حيث المعنى اللغوي؛ فلا فرق. فأنت تقول: أسْفر عما في نفسه. وهذا راجع إلى المعنى الأول. والله أعلم.
الخامس: أنه مأخوذ من فسرت النورة، إذا نضحت عليها الماء لتنحل أو أخرها، وينفصل بعضها من بعض، وكأن التفسير يفصل أجزاء معنى المفسر بعضها من بعض حتى يتأتى فهمه والانتفاع به. كما أن النورة لا يتهيأ الانتفاع بها إلا بتفصيل أجزائها بتفسيرها. وقد ذهب إلى هذا القول الطوفي. وهو أضعفها.
ب-معنى التفسير اصطلاحاً: وقد تنوعت أقوال العلماء في تعريف (التفسير) اصطلاحاً تنوعاً كبيراً، وقد بلغ عدد تعاريفهم أكثر من عشرين، منها القريب المحتمل، أو البعيد المردود.
وأقربها وأحسنها وأجودها هو قولهم: (علمٌ يُبحث فيه عن أحوال القرآن العزيز من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية). اشتمل هذا التعريف على جنس، وثلاثة فصول أو قيود.
وقولنا (علمٌ) جنس يشمل كل العلوم كيف ما كانت. وقولنا: (يبحث فيه عن أحوال القرآن). هذا فصل أو قيد أول خرج به العلوم الأخرى التي تبحث عن أحوال غيره. وقولنا: (من حيث دلالته على مراد الله). قيد ثانٍ يخرج به العلوم المتعلقة بالقرآن من حيثيات أخرى غير موضوع الدلالة، كعلم الرسم، فهو يبحث في القرآن من جهة كتابه. وكعلم القرءات، إذ هو يبحث فيه من جهة ضبط ألفاظه وكيفية أدائها. كما يخرج أيضاً بعض المباحث المتعلقة بالقرآن من جهة حكم قراءته بالنسبة للمحدث حدثاً أصغر أو أكبر، وكحكم القيام للمصحف وتقبيله .. ونحو ذلك. وقولنا: (بقدر الطاقة البشرية) قيد ثالث. وهو قيد ضروري ذُكر لبيان أن عدم الإحاصة بمعاني كلام الله عز وجل لا يقدح في العلم بالتفسير.
3 - معنى قواعد التفسير باعتباره لقباً على فنّ معين من العلم: (هي الأَحْكَامُ الكُلية التي يُتوصل بها إلى استنباط معاني القرآن العظيم ومعرفة كيفية الاستفادة منها.
1 - وقولنا: (الأحكام الكلية) سبق الكلام على هذه الفقرة عند تعريف القاعدة اصطلاحاً. فراجعه إن شئت.
¥