2 - وقولنا: (التي يتوصل به إلى استنباط معنى القرآن العظيم). أي: بالقوة، بمعنى أنها قابلة لذلك، ومُعَدَّة له، وإن لم يستعملها أحد لهذا الغرض. وهذا القيد يُخرج القواعد التي لا يُتوصل بها إلى الاستنباط من القرآن، كبعض قواعد الأصول واللغة التي لا تمت لموضوعنا، كقواعد المنطق والهندسة مثلا.
3 - قولنا: (ومعرفة كيفية الاستفادة منها): يُدخل القواعد الترجيحية. وهذا القيد يذكر أيضاً في تعريف أصول الفقه ليدخل به باب: التعارض والترجيح.
? المبحث الثاني: في الفرق بين القاعدة والضابط
? أولا: الفرق بين القاعدة والضابط
وبعد فإن القاعدة تختلف عن الضابط، لأن مجال الضابط أضيق من مجال القاعدة. وقد نبه على هذا بعض الأصوليين والفقهاء.
جاء في حاشية البنَّاني ما نصه: (والقاعدة لا تختص بباب بخلاف الضابط)، قال: (أي: في قواعده تشبه الأدلة، فناسب كونها خاتمة لبحث الأدلة، والقاعدة لا تختص بباب بخلاف الضابط). ووضح هذا الفرق تاج الدين السبكي بعد أن ذكر تعريف القاعدة في قوله: (ومنها ما لا يختص؛ كقولنا: اليقين لا يزال بالشك، ومنها ما يختص؛ كقولنا: كل كفارة سببها معصية فهي على الفور. والغالب فيما اختص بباب، قصد بها نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطاً). وقد مال إلى هذا التفريق ابن نجيم –كما في (الأشباه والنظائر) قال في الفن الثاني: (الفرق بين الضابط والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد، هذا هو الأصل).
أما السيوطي؛ فقد أبان هذا الفرق في الفن الثاني من كتابه: (الأشباه والنظائر في النحو) يقول: (مما اشتمل عليه الكتاب .. في الضوابط والاستثناءات والتقسيمات، وهو مرتب على الأبواب لاختصاص كل ضابطٍ ببابه، وهذا هو أحد الفروق بين الضابط والقاعدة، لأن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمع فروع باب واحد). وهذا ما جنح إليه أبو البقاء في (الكليات) (ص48)، قال في فصل: القاف، القسم الرابع، بعد أن عرف القاعدة: (والضابط يجمع فروعاً من باب واحد). ومنهم من لا يلاحظ هذا التدقيق والتفريق، مثل النابلسي (ت 1143هـ) في (كشف الخطائر عن الأشباه والنظائر –مخطوط 10)، إذ يقول: (قاعدة: هي في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته). وقد قام بعض العلماء بجمع الضوابط في كتاب مستقل؛ مثل ابن نجيم في كتابه: (الفرائد الزينية في فقه الحنفية)، توجد نسخة مخطوطة في (مكتبة الحرم المدني) بمكة المكرمة. وصل فيه إلى ذكر خمسمائة ضابط تتخللها أحياناً قواعد فقهية، وكلها بعنوان: (ضابط). ومن فقهاء المالكية: محمد بن عبد الله الشهير بالمكناسي (917هـ) ألف رسالة بعنوان: (الكليات في الفقه). كلها ضوابط فقهية. والرسالة مخطوطة، توجد منها نسخة بمكتبة الخزانة العامة بالرباط. برقم: (1219)، شريط مصور منه بمركز البحث العلمي، فقه مالكي رقن: (127). وكذلك أبو عبد الله محمد المقّري المالكي (758هـ) صاحب (القواعد) في الفقه، تناول في بعض كتبه هذه الضوابط بعنوان: (الكليات).
ولعل أحفل كتاب في هذا الباب مما وصل إلينا: ما ألفه الشيخ بدر الدين محمد ابن أبي بكر بعنوان: (الاستغناء في الفروق والاستثناء). وذكر فيه تقريباً ستمائة قاعدة، وجُلها ضوابط ذات شأن وقيمة في الفقه الإسلامي.
أمثلة من الضوابط الفقهية:
وفيما يلي أقدم نبذة يسيرة من أمثلة الضوابط الفقهية، لكي يتجلى الفرق بين المصطلحين تماماً.
ومن نماذجها في مجال السنة المطهرة: ما رواه عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- عن رسول الله r أنه قال: (أيما إهاب دبغ فقد طهر). فهذا الحديث يمثل ضابطاً فقهياً في موضوعه، يغطي باباً مخصوصاً.
وفي معناه: ما رُوي عن إبراهيم النخعي (96هـ) قوله: (كل شيءٍ منع الجلد من الفساد فهو دباغ). وفي رواية أخرى أنه قال: (مَا أصلحت به الجلد من شيء يمنعه من الفساد فهو له دباغ).
ومن باب الضوابط: ما رُوي عن مجاهد أنه قال: (كل شيء خرج من الأرض قلَّ أو كثر مما سقت السماء، أو سقي بالعيون؛ ففيه العشر).
ومن هذا القبيل: ما شاع عن المتأخرين قولهم: (إن كل ماء لم يتغير أحد أوصافه طهور). أو: (كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور).
¥