فأصول التفسير وقواعده مع التفسير كالنحو بالنسبة للنطق العربي والكتابة العربية. فكما أن النحو ميزان يضبط القلم واللسان، ويمنع صاحبه من الخطأ في النطق والكتابة، فكذلك قواعد التفسير هي ثوابت وموازين تضبط الفهم لكلام الله عز وجل، وتمنع المفسر من الخطأ في تفسيره. وقل مثل ذلك في الفقه وقواعده.
ثالثاً: الفرق بين قواعد التفسير وبين علوم القرآن
تعتبر قواعد التفسير جزءاً من أشرف وأهم العلوم القرآنية، والنسبة بينهما هي نسبة الجزء إلى الكل. هذا وقد تطلق (قواعد التفسير) على جملة علوم القرآن. وهذا إما أن يكون من باب إطلاق الجزء على الكل، وإما لكون علوم القرآن والكتب المصنفة في ذلك تشتمل على قواعد كثيرة من قواعد التفسير منثورة في أبوابه المختلفة.
والخلاصة: إن (علوم القرآن) هي: عبارة عن جميع العلوم المتعلقة بالقرآن من وجوه شتى: أما (قواعد التفسير) فالمراد بها تلك الكليات والضوابط المخصوصة. والتي سبق تعريفها.
رابعا: الفرق بين قواعد التفسير وبين قواعد الأصول واللغة
يمكن أن يتبين الفرق بين هذه الأمور من خلال التعرف على الموضوعات التي يبحث عنها كل واحد من هذه الفنون:
فقواعد التفسير: تبحث في كلام الله تعالى من حيث دلالته على مراد الله عز وجل.
أما قواعد اللغة: فتبحث في لغة العرب من حيث أفرادها وتراكيبها وحقيقتها ومجازها –عند من يقررون المجاز- وما شاكل ذلك.
وأما قواعد الأصول: فتبحث في دلائل الفقه الإجمالية، إضافة إلى كيفية الاستفادة منها (أي إعمال الأدلة حال التعارض والترجيح)، وحال المستفيد (الذي هو المجتهد).
وبهذا يظهر التباين الواقع بين موضوعات الفنون الثلاثة، مع وجود قدر من التداخل بينها لا ينكر، بحيث إنك تجد ضمن قواعد الأصول وقواعد التفسير قدراً من المواد المستمدة من اللغة وأصولها. كما تجد قدراً من قواعد الأصول تدخل في قواعد التفسير والعكس. ومعلوم أن علم الأصول وعلم قواعد التفسير وكذا (علوم القرآن) حسب اصطلاح المتأخر هي علوم مركبة من فنون عدة؛ فعلم الأصول مستمد من الكتاب والسنة والعقيدة (وهي راجعة إلى الكتاب والسنة)، واللغة، إضافة إلى فهم السلف الصالح وتصور الأحكام. وهي (أصول الفقه) تشرح مصادر التشريع والاستدلال سواء المتفق عليه منها أو المختلف فيه. فالكلام فيها عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب وشرع من قبلنا، وقول الصاحب، والمصالح المرسلة ... وهكذا، مع الكلام على أحوال الناظرين في تلك الأدلة والمؤهلات التي يحتاجون إليها (أبواب الاجتهاد والتقليد).وعند النظر في مثل هذه الموضوعات نجد أن الذي له تعلق بقواعد التفسير: بعضها لا كلها، وأهم ما يدخل منها في قواعد التفسير: الكلام على المصدر الأول الذي هو الكتاب، مع وجود قدر من التداخل غير قليل بين القواعد في التفسير وبين ما يذكر في الأصول من عوارض الألفاظ، كالخصوص والعموم، والإجمال والبيان ... الخ. إضافة إلى وجود شيء من التداخل - أيضاً - بين قواعد التفسير وأبواب التعارض والترجيح في أصول الفقه.لكن أهل الأصول يذكرون أشياء كثيرة في هذه الأبواب لا مدخل لها في القواعد، بله يُحتاج إليها في أصول الفقه أصلا. ثم إن ما يصلح أن يكون قواعد لتفسير كتاب الله منثور بين تفاصيل طويلة في تلك الأبواب.
? المبحث الثالث: مفهوم الكليات وأثرها في التقعيد
يقرب مفهوم (الكلية) من مفهوم (الأصل)؛ إذ يصلح كلّ منهما أن يكون عبارة عن قاعدة أو ضابط، فيمكن أن تكون الكليات في الفقه قواعد إذا اشتملت على فروع من أبواب، وإذا دارت المسائل المنطوية تحتها على باب واحد فهي ضوابط. ومن المألوف المعهود أن الكلام الذي استهل بكلمة (كل) في الفقه انسحب عليه مفهوم (الكلية) غالباً، سواء كان من قبيل القواعد أم الضوابط. ونشأ استعمال الكليات في سائر العلوم بالنظر إلى وضعها اللغوي في دلالتها على الشمول باعتبار كلمة (كل) صيغة من صيغ العموم، فلا يرجع ذلك في الأصل إلى اصطلاح المناطقة، وإن كان للذوق المنطقي لدى الفقهاء أثر في شيوع هذا التعبير، ويبدو أن العبارات التي تشكل كليات بسبب ابتدائها بـ (كل) صيغت أصالة على هذه الشاكلة بقصد الضبط والربط بين المسائل المتقاربة المتجهة إلى منزع فقهي مشترك واحد، ثم جرت مجرى العلل والقواعد أو الضوابط. وهناك أمثلة كثيرة من
¥