هذه الكلمات في جوامع كلام النبي r، ومنها الأحاديث الثلاثة الآتية:
1 - (كُلُّْ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
2 - (وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ).
3 - (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَام).
ثم تعاقب العلماء يستخدمونها عبر القرون، وربما جرت على ألسنتهم وأقلامهم عَفْواً، ولا يخفى ذلك على من له أدنى إلمام بروايات ومقالات منقولة عن الأئمة المجتهدين، ولعل من المناسب أن أبرهن على ذلك بتقديم نماذج من الكليات التي صاغها الفقهاء:
1 - الكليات التي تكون بمثابة قواعد:
فمن الكليات التي يتحقق فيها مفهوم القاعدة وتتغلغل في أبواب من الفقه: ما ورد في النصوص الآتية من كتاب (الأم) للإمام الشافعي –رحمه الله:
1 - (كل ما كان على الإنسان أن يرده بعينه، ففات، رده بقيمته).
2 - (كل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد).
3 - (كل من كان مالكاً، فماله ممنوع به محرم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحاً بإباحة مالكه له).
4 - (كل ما أحل من محرم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة، فإذا زايل ذلك المعنى، عاد إلى أصل التحريم).
5 - (كل ماله مثل يرد مثله، فإن فات يرد قيمته).
6 - (كل من جعل له شيء فهو إليه، إن شاء أخذه، وإن شاء تركه).
7 - (كل حق وجب عليه فلا يبرئه منه إلا أداؤه).
8 - (كل ما قسمناه حلالاً حكمنا له حكم الحلال في كل حالاته، وكل ما قسمناه حراماً حكمنا له حكم الحرام ... ).
2 - الكليات التي تكون بمثابة ضوابط:
أما الكليات التي تكون بمثابة ضوابط؛ فهي كثيرة جداً، وهنا أكتفي بسرد أمثلة منها:
1 - (كل حال قدر المصلي فيها على تأدية فرض الصلاة كما فرض الله تعالى عليه: صلاها، وصلى ما لا يقدر عليه كما يطيق).
2 - (كل ثواب جُهل من ينسجه، أَنَسَجَه مسلم، أو مشرك، أو وثني، أو مجوسي، أو كتابي، أو لبسه واحد من هؤلاء، أو صبي، فهو على الطهارة حتى يعلم أن فيه نجاسة).
فإن هذين المثالين لا يسري عليهما حكم القاعدة، ولكن يمكن أن تعدَّ كلا المثالين ضابطاً في ميدان القواعد، من حيث إن المثال الأول بمثابة فرع لما تقرره القاعدة المتداولة بين الفقهاء: (الميسور لا يسقط بالمعسور)، والمثال الثاني يتضمن فروعاً تتعلق بالقاعدة الأساسية: (اليقين لا يزول بالشك).
3 - (كل صنف فيه الصدقة بعينه: لا يجزيه أن يؤدي عنه إلا ما وجب عليه بعينه لا البدل عنه إذا كان موجوداً ما يؤدي عنه).
4 - (كل ما عرفت فيه الحياة، ثم ذبحت بعده، أكلت).
وكان من أثر كتاب (الأم): أن تضافرت الكليات في كتب المتأخرين من فقهاء الشافعية، ويشهد لذلك (المنثور في القواعد) للإمام الزركشي (794هـ)، بحيث ذكر في حرف (الكاف) من هذا الكتاب مجموعة من الكليات مع الإشارات إلى الاستثناءات.
وهكذا إذا دققت النظر في (المدونة) التي دونت فيها (آراء الأمام مالك بن أنس) وأصحابه –رحمهم الله- وجدت نصوصاً تُشعر بأن ضبط المسائل بالكليات كان محل اعتبار واعتناء عندهم جميعاً، وهُنا أُورد نبذة يسيرة منها:
1 - (كل شيء يجوز للبائع أن يشتريه لنفسه فهو جائز أن يشتريه لغيره إذا وكله).
2 - (كل مستهلك ادعى المأمور فيه ما يمكن وادعى الآمر غيره فالقول قول المأمور .. ).
3 - (كل ذي صنعة مثل الخياطة والصناعة، والصباغ وما أشبههم من الصناع فهو أحق بما في أيديهم من الغرماء في الموت والتفليس جميعاً .. ).
4 - (كل شيء لا يعرف لمن هو، يدعيه رجلان: فإنه يقسم بينهما).
ثم إن كثرة الروايات بهذه الصياغات هي التي حدت بالإمام أبي عبد الله محمد بن الحارث الخشني (حوالي 361هـ) أن يدبج كتابه: (أصول الفتيا في المذهب المالكي) الذي حوى طائفة كبيرة من الكليات الناطقة بروايات إمام المذهب وحامليه، وكذلك (الكافي) للإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر (463هـ) اشتمل على نصوص تعبر عن هذا الاتجاه. ثم جاء العلامة أبو عبد الله المقَّري المالكي (758هـ) صاحب (القواعد) فتناول مجموعة من الضوابط الفقهية تحت عنوان: (الكليات) في بعض كتبه. وفي أوائل عام (893هـ) ألف العلامة ابن غازي (901هـ) كتابه (الكليات)، وهذه عبارة عن جمْع مسائل وضوابط مذهبية وليس فيها شيء من القواعد الفقهية، ومن فقهاء المالكية أيضاً: محمد بن عبد الله الشهير بالمكناسي (917هـ) صنف رسالة بعنوان (الكليات في الفقه)، كلها ضوابط فقهية.
¥