تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما تشعبت العلوم، وتناثرت تفاصيلها وجزئياتها، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان الإحاطة بجزئيات فن واحد من فنون العلم فضلاً عن الإحاطة بجزئيات الفنون المختلفة، عمد العلماء إلى استقراء وإبراز الأصول الجامعة والقضايا الكلية التي ترجع إليها تلك الجزئيات، تيسيراً للعلم، وإعانة على حفظ ما تناثر من جزئياته، مع اختصار لكثير من الجهد والوقت، وإضافة إلى تربية ملكة الفهم، وضبطه بضوابط تحجزه عن الخطأ.

هذا؛ ولا يمكن للراغب في دراسة فن من الفنون أن يُحصل فيه تحصيلاً معتبراً إلا بمعرفة قواعده، والأصول التي تبنى عليها مسائله. وبما مضى تكون قد عرفت أهمية علم القواعد عموماً وعلو شأنها، وقبل أن أحدثك عن أهمية معرفة قواعد التفسير على وجه الخصوص، أنقل لك بعض كلام أهل العلم في معرض بيانهم لأهمية ما نحن فيه:

1 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا؛ فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم).

2 - قال الزركشي في (المنثور في القواعد) (1/ 65/66): (أما بعد: فإن ضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتحدة، هو أوعى لحفظها، وأدعى لضبطها، وهي إحدى حِكَمِ العدد التي وُضع لأجلها، والحكيم إذا أراد التعليم لا بد أن يجمع بين بيانين: إجمالي تتشوق إليه النفس، وتفصيلي تسكن إليه).

3 - وقال السعدي في معرض كلامه على كتب شيخ الإسلام: (ومن أعظم ما فاقت به غيرها وأهمِّه وتفردت على سواها: أن مؤلفها –رحمه الله- يعتني غاية الاعتناء بالتنبيه على القواعد الكلية، والأصول الجامعة، والضوابط المحلية في كل فن من الفنون التي تكلم بها. ومعلوم أن الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان، والأصول للأشجار، لا ثبات لها إلا بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى، وينمي نماء مطرداً، وبها تُعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيراً). (طريق الوصول للسعدى ص4). وقال في موضع آخر: (من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها: أن أحكامها الأصولية والفروعية، والعبادات والمعاملات، وأمورها كلها لها أصول وقواعد تضبط أحكامها وتجمع متفرقاتها، وتنشر فروعها، وتردها إلى أصولها. فهي مبنية على الحكمة والصلاح، والهدى والرحمة، والخير والعدل، ونفي أضداد ذلك). انظر: (الرياض الناضرة) للسعدي ضمن (المجموعة الكاملة 1/ 522). وبعد هذا يمكن أن يقال: إن قواعد التفسير تتبين أهميتها مما مضى من الكلام على أهمية القواعد عموماً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن أهميتها تعرف من أهمية موضوعها وهو القرآن الكريم، إذْ هو أصل العلوم وفيه خير العاجل والآجل. فإذا فهمه العبد فهماً صحيحاً حاز علماً عظيماً لا يدانيه علم البتة. ولذا كان الرجل إذ حفظ سورة البقرة وآل عمران يعظم في أعين الصحابة. ومن سمات هذا القرآن الكريم: أنه يعبر فيه بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، كما أن عجائبه لا تنقضي، ولا يحيط بجميع معانيه إلا الله عز وجل. قال الزركشي رحمه الله: (ومعلوم أن تفسيرهُ يكون بعضه من قبيل بسط الألفاظ الوجيزة، وكشف معانيها، وبعضه من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض لبلاغته ولطف معانيه، ولهذا لا يستغني عن قانون عام يُعَوَّلُ في تفسيره عليه، ويرجع في تفسيره إليه، من معرفة مفردات ألفاظه ومركباتها، وسياقه، وظاهره وباطنه، وغير ذلك مما لا يدخل تحت الوهم ويدق عنه الفهم.

بين أقدامهم حديث قصير * هو سحر وما سواه كلام

وفي هذا تتفاوت الأذهان، وتتسابق في النظر إليه مسابقة، فمن سابق بفهمه وراشق كبد الرَّمِيَّة بسهمه، وآخر رمى فاشْوَى، وخبط في النظر خبط عشوا، كما قيل: (وأين الدقيق من الركيك، وأين الزلال من الزُّعاق.

الحاصل: إن من عرف قواعد التفسير انفتح له من المعاني القرآنية مما يحمل عن الوصف، وصار بيده آلة يتمكن بواسطتها من الاستنباط والفهم، مع ملكة ظاهرة تصيره ذَا ذَوْقٍ واختيار في الأقوال المختلفة في التفسير، فيقوى على الفهم والاستنباط والترجيح.

ثانياً: موضوع قواعد التفسير:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير