وذكر هو في كلامه في فضيل بن عياض " سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل لأنه روى أحاديث فيها إزراء على عثمان ".
وأخشى أن تكون كلمة قطبة إنما هي في فطر فحكاها ابن أبي هيثمة مرة على الصواب، ثم تصحفت عليه " فطر " بفضيل فحكاها في فضيل بن عياض.
وحكى محمد بن وضاح القرطبي أنه سأل ابن معين عن الشافعي فقال " ليس بثقة" فحكاها ابن وضاح في الشافعي الامام، فزعم بعض المغاربة أن ابن معين إنما قالها في أبي عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز الأعمى المشهور بالشافعي فإنه كان ببغداد، وابن وضاح لقى ابن معين ببغداد فكأنه سأل ابن معين عن الشافعي يريد ابن وضاح الامام فظن ابن معين أنه يريد أبا عبد الرحمن لأنه كان حياً معهما في البلد. وفي ترجمة والد أبي عبد الرحمن من " التهذيب " أن ابن معين قال " ماأعرفه وهو والد الشافعي الأعمى ".
الخامس: إذا رأى في الترجمة " وثقه فلان " أو " ضعفه فلان " أو " كذبه فلان " فليبحث عن عبارة فلان، فقد لا يكون قال: " هو ثقة " أو " هو ضعيف " أو " هو كذاب" ففي (مقدمة الفتح) في ترجمة إبراهيم بن سويد بن حيان المدني " وثقه ابن معين وأبو زرعة " والذي في ترجمته من (التهذيب): " قال أبو زرعة ليس به بأس " وفي (المقدمة) في ترجمة ابراهيم بن المنذر الحزامي " وثقه ابن معين ... والنسائي " والذي في ترجمته من (التهذيب): " قال عثمان الدارمي رأيت ابن معين كتب عن إبراهيم بن المنذر أحاديث ابن وهب ظننتها المغازي وقال النسائي ليس به بأس ".
وفي (الميزان) و (اللسان) في ترجمة معبد بن جمعة " كذبه أبو زرعة الكشي " وليس في عبارة أبي زرعة الكشي مايعطى هذا بل فيها أنه " ثقة في الحديث " وقد شرحت ذلك في ترجمة معبد من قسم التراجم.
السادس: أصحاب الكتب كثيراً مايتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره وربما يخل ذلك بالمعنى فينبغي أن يراجع عدة كتب فإذا وجد اختلافاً بحث عن العبارة الأصلية ليبني عليها.
السابع قال ابن حجر في (لسان الميزان) ج1ص17:
" وينبغي أن يتأمل أيضاً أقوال المزكين ومخارجها .. فمن ذلك أن الدوري قال عن ابن معين أنه سئل عن اسحاق وموسى بن عبيدة الربذى: أيهما أحب إليك؟ فقال: ابن اسحاق ثقة، وسئل عن محمد بن اسحاق بمفرده فقال: صدوق وليس بحجة، ومثله أن أبا حاتم قيل له: أيهما أحب إليك يونس أو عقيل؟ فقال: عُقيل لا بأس به، وهو يريد تفضيله على يونس، وسئل عن عُقيل وزمعة بن صالح فقال: عُقيل ثقة متقن، وهذا حكم على اختلاف السؤال، وعلى هذا يحمل أكثر ماورد من اختلاف أئمة الجرح والتعديل ممن وثق رجلاً في وقت وجرحه في وقت آخر ... " ()
أقول وكذلك ماحكوا من كلام مالك في ابن اسحاق إذا حكيت القصة على وجهها تبين أن كلمة مالك فلتة لسان عند سورة غضب لا يقصد بها الحكم. وكذلك ماحكوه عن ابن معين أنه قال لشجاع بن الوليد " ياكذاب " فحملها ابن حجر على المزاح.
ومما يدخل في هذا أنهم قد يضعفون الرجل بالنسبة إلى بعض شيوخه أو إلى بعض الرواة عنه أو بالنسبة إلى مارواه من حفظه أو بالنسبة إلى مارواه بعد اختلاطه وهو عندهم ثقة فيما عدا ذلك، فإسماعيل بن عياش ضعفوه فيما روى عن غير الشاميين. وزهير بن محمد ضعفوه فيما رواه عنه الشاميون. وجماعة آخرون ضعفوهم في بعض شيوخهم أو فيما رووه بعد الاختلاط.
ثم قد يحكي التضعيف مطلقاً فيتوهم أنهم ضعفوا ذلك الرجل في كل شيء. ويقع نحو هذا في التوثيق راجع ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود قال أحمد مرة ثقة وكذا قال ابن معين ثم بين كل منهما مرة أنه اختلط. وزاد ابن معين فبين أنه كان كثير الغلط عن بعض شيوخه غير صحيح الحديث عنهم.
ومن ذلك أن المحدث قد يسأل عن رجل فيحكم عليه بحسب ماعرف من مجموع حاله ثم قد يسمع له حديثاً فيحكم عليه حكماً يميل فيه إلى حاله في ذاك الحديث، ثم قد يسمع له حديثاً آخر فيحكم عليه حكماً يميل فيه إلى حاله في هذا الحديث الثاني، فيظهر بين كلامه في هذه المواضع بعض الاختلاف، وقع مثل هذا للدار قطني في (سننه) وغيرها وترى بعض الأمثلة في ترجمة الدار قطني من قسم التراجم.وقد ينقل الحكم الثاني أو الثالث وحده فيتوهم أنه حكم مطلق.
¥