تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عرف الأستاذ أن مطاعنه فى الشافعى لا توثر الأمر الذى يهواه أو لا توثر البتة، فحاول تحصيل بعض مقصوده من جهة أخرى، وهى زعمه أن الشافعى مستفاد من محمد بن الحسن تلميذ أبى حنيفة، وسأشرح ملخصاً مبدأ الشافعى إلى اجتماعه بمحمد وما جرى له معه فأقول: ثبت بالروايات الجيدة أن الشافعى شرع فى طلب العلم وسنّه نحو عشر سنين فأخذ عن علماء مكة والمدينة، وخرج غيره إلى اليمن، وأقام بالبادية مدة، وكان فيمن أخذ عنه من الفقهاء بمكة من كان يشارك فى طريقة أهل العراق كسعيد بن سالم القداح، وكان الشافعى يبحث مع من يقدم مكة من علماء الآفاق.

وفى (توالى التأسيس) ص58: " قال زكريا الساجى: حدثنا الزعفرانى قال: حج بشر المريسى {الحنفى} إلى مكة ثم قدم فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلاً ما رأيت مثله سائلا ً ولا مجيباً، يعنى الشافعى، (1) قال: فقدم الشافعى علينا بعد ذلك فاجتمع إلبه الناس فجئت إلى بشر فسألته فقال: إنه قد تغير عما كان عليه. . . . . " وفيها ص56 " وأخرج الآبرى من طريق الزعفرانى قال: كنا نحضر مجلس بشر المريسى فكنا لا نقدر على مناظرته، فقدم الشافعى فأعطانا كتاب الشاهد واليمين فدرسته فى ليلتين ثم تقدمت إلى حلقة بشر فناظرته فيه فقطعته، فقال ليس هذا من كيسك، هذا من كلام رجل رأيته بمكة معه نصف عقل أهل الدنيا ". بقى الشافعى نحو عشرين سنة بالحجاز ثم ولى بعض الولايات باليمن، وفى

(توالى التأسيس) ص78 " قال ابن أبى حاتم حدثنا محمد بن إدريس وراق الحميدى حدثنا الحميدى قال: قال الشافعى. . . . . ثم وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان وموالى ثقيف. . . . وتظلم عندى أناس كثيرة فجمعتهم وقلت: اجمعوا لى سبعة يكون من عدلوه ومن جرحوه مجروحا، ففعلوا. . . حتى أتيت على جمبع الظلامات، فلما انتهيت جعلت أحكم وأسجل. . . . حتى حملت إلى العراق، وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة عند الخليفة فاختلفت إليه، وقلت هو أولى من جهة الفقه، فلزمته، وكتبت عنه وعرفت أقاويلهم، وكان إذا قام ناظرت أصحابه فقال لى: بلغنى أنك تناظر فناظرنى فى الشاهد واليمين، فامتنعت، فألح على، فتكلمت معه، فرفع ذلك إلى الرشيد، فأعجبه ووصلنى " وقد ذكر الأستاذ ص184 طرفاً من هذه الحكاية ثم حملها ما لا يطيق، فمن جملة ما قاله: " وبها أن يعلم أن محمد بن الحسن بعد أن درب

(؟) الشافعى على الأخذ والرد هكذا رفع حديثه إلى الرشيد ".

أقول: الشافعى مدرب من بيته كما تقدم ورافع الحديث إلى الرشيد غير محمد كما تعينه عدة روايات أخرى، والشافعى إنما جالس محمداً ليأخذ عنه كتبهم سماعاً ليعرف أقوالهم، ومغزاه فى ذلك أمران:

أحدهما: ما صرح به فى بعض الروايات أنه أحب أن يعرف أقاويلهم وما يحتجون به، ليتمكن من الرد عليهم فيما يراه خطأ ومناظرتهم فيه، فإن عماد المناظرة أن يحتج على المخالف بأقواله لإنه قد يحتج بما ليس بحجة فيقال له: إن كانت هذه حجة فلم خالفها فى موضع كذا وموضع كذا؟ وقد يرد الحجة فيقال له: فقد احتججت بها أو بمثلها فى موضع كذا ومضع كذا. زلا يكاد تخلو مناظرة من مناظرات الشافعى من هذه الطريقة.

المغزى الآخر مغزى كل عالم متدين، وهو أن يعرف ما يحتجون به فربما وقف على حجة لم يكن قد عرفها أو على ما يدل على خلل فى دليل قد كان يستدل به، أونظر قد كان يعتمده وهذا لا يألف منه المجتهد المتدين، فإن غالب حجج الفقه ظنية لا يأمن المجتهد أن يخطىء وأن يكون عند غيره ما ليس عنده. فالحق أن الشافعى سمع بعض الكتب من محمد على سبيل الرواية، والعالم قد يسمع ممن هو فوقه وممن هو مثله وممن هو دونه. وقد يكون حضر بعض دروس محمد العنزى المتقدم، كل ذلك والشافعى باقى على مذهبه لم يقلد محمداً ولا تابعه متابعة التلميذ المطلق لأستاذه بل كان محمد إذا قام ناظر الشافعى أصحاب محمد يقرر لهم مذهبه ويحتج عليه ويفند ما استدل به محمد وغيره. أما تأبيه أولا ًمن مناظرة محمد فمن كمال عقله ووفور أدبه، لأنه كان محتاجاً إلى سماع تلك الكتب ومعرفة أقاويل القوم، فخشى أن يتكدر محمد فيتعسر عليه، وقد جاء أنه تعسر عليه فى كتاب فكتب إليه أبياتاً أثنى عليه فيها وقال فيها:

العلم يتهى أهله أن يمنعوه أهله

لعله يبذله لأهله لعله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير